فقاعة الذكاء الاصطناعي.. تهديد أكبر على الاقتصاد العالمي من رسوم ترامب

عاود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ أيام، تهديداته بضرب الاقتصاد الصيني، عبر حظر جميع صادرات البرمجيات الحيوية، رداً على استغلال بكين لسيطرتها على المعادن الأرضية النادرة. بعدها، خفتت أصوات الحرب التجارية الأمريكية – الصينية، وبدأ ترامب يتذمر من مقاطعة الولايات المتحدة لزيت الطهي الصيني.
وعندما أعلن ترامب عن رسوم جمركية واسعة في ما سمى بـ «يوم التحرير»، في الثاني من أبريل، كان هناك خوف حقيقي من أن تُؤدي حربه التجارية إلى إضعاف الطلب العالمي على الواردات، وإغراق العالم في ركود.

لكن ذلك لم يحدث. وهذا الأسبوع، جاءت توقعات صندوق النقد الدولي، والتي غلفها بلغة قاتمة، بأن يتباطأ نمو الاقتصاد العالمي بشكل طفيف، من 3.3 % العام الماضي، إلى 3.2 % هذا العام، و3.1 % العام المقبل.

إن رؤية إدارة ترامب لإعادة تشكيل العالم باستخدام الرسوم الجمركية، وصفت من قبل كثيرين بأنها ضرب من الخيال، فالولايات المتحدة، ببساطة، ليست كبيرة بما يكفي، وصلاحيات التعريفات الجمركية لها حدود عملية وسياسية.

وقد تهيمن السلع المصنعة على التجارة الدولية، لكنها لا تهيمن على الاقتصاد العالمي، فيما تكمن المخاطر الحقيقية في قطاعات أخرى: الصناعات الاستخراجية، متمثلة في عودة الولايات المتحدة إلى الوقود الأحفوري، وسيطرة الصين على المعادن النادرة، والخدمات متمثلة في الذكاء الاصطناعي.

وكما توقع البعض، فإن صلاحيات رجل التعريفات الجمركية، أضعف مما كان يعتقد. وبما أن جزءاً صغيراً نسبياً من الاقتصاد الأمريكي يتم تداوله، فإن حصة الولايات المتحدة من الطلب العالمي النهائي على الواردات (بعد حساب القيمة المضافة)، لا تتجاوز 17.5 %. ولذلك، فقد تبدد حلم استغلال ترامب للرسوم الجمركية لزعزعة الاقتصاد العالمي، من خلال اتفاق مارالاغو بخصوص العملة الأمريكية.
وعلى أية حال، ففي قطاعات مختلفة، مثل الإلكترونيات، ومع شركاء تجاريين مختلفين، بما في ذلك المكسيك وكندا، اضطر ترامب إلى منح إعفاءات لحماية المستهلكين والمنتجين. كما أن موجة البيع المكثفة في سوق الأسهم في أبريل، والتي تكررت لفترة وجيزة الأسبوع الماضي، قد بعثت إليه برسالة تحذيرية من تبعات التصعيد السريع.
إن الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة على الصين مرتفعة بالفعل. بينما ردت بكين بقوة على الولايات المتحدة، فإنها لم تبدأ هي ولا الدول الأخرى دوامة عامة من الحمائية، بل ونجحت الصين في زيادة صادراتها إلى اقتصادات أخرى.

وما كانت الصين لتؤذي الولايات المتحدة بمقاطعة فول الصويا، والتهديد بفرض قيود على المعادن النادرة، إذا لم تستطع تحمل الرسوم الجمركية الأمريكية الانتقامية.

في المجمل، بلغ متوسط الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية في عهد ترامب 16 % فقط. وقبيل بدء رئاسة ترامب، أخبرني دوغ إروين، أحد أبرز الأكاديميين التجاريين في العالم، أن سياسة ترامب التجارية ستنتهي على الأرجح مثلما حدث مع سياسة ريتشارد نيكسون، برسوم جمركية واسعة النطاق، ولكنها ليست مرتفعة بشكل مدمر. ورغم أن هذا التوقع قد يبدو متفائلاً إلى حد ما، إلا أنه أكثر واقعية الآن مما كان عليه في «يوم التحرير».
الأمر الأكثر إثارة للقلق، هو أن المسار الاقتصادي الضيق الذي اختارته الولايات المتحدة، سينتهي تحت أقدامها، فقد دفع ترامب جهود الحكومة الفيدرالية بعيداً عن التكنولوجيا الخضراء المتقدمة، خاصة الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية.

كما أثبت عدم كفاءته في حماية الميزة التي لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بها في أشباه الموصلات، من خلال السماح لشركتي إنفيديا و«إيه إم دي» بتصدير الرقائق إلى الصين، مقابل دفع ضريبة نسبتها 15 % على العائدات.

وبدلاً من ذلك، ركز الرئيس على الوقود الأحفوري وطفرة الذكاء الاصطناعي. ومما لا شك فيه، فإن تفويت فرصة الاستفادة من التحسينات الهائلة في الإنتاجية والتكلفة في مجال الطاقة المتجددة، فكرة سيئة من الناحية الاقتصادية البحتة:

ففكرة أن المبادئ الخضراء تكلف كثيراً من المال، يمكن دحضها بشكل قاطع. والأسوأ من ذلك، أن قدراً هائلاً من رأس المال قد تم ضخه في مشاريع الذكاء الاصطناعي – معدات مراكز البيانات جزء لا يستهان به من واردات الولايات المتحدة .

– والتي لم تُحقق عوائد بعد. ومن المرجح أن يكون لانفجار هذه الفقاعة عواقب على نمو الولايات المتحدة، أكبر بكثير من انهيار التكنولوجيا في أواخر التسعينيات.

وتُشكل الصين، من جانبها، تهديدات على الاقتصاد العالمي. وأحدها يأتي من المبالغة في فرض قيود على المعادن النادرة، وغيرها من الضوابط، حيث يسبب ذلك ضرراً حقيقياً لسلاسل التوريد.

ومنذ الإعلان عن ضوابط التصدير لأول مرة في أبريل، لم تُضبط بيروقراطية التحكم في تراخيص المستخدمين بدقة، رغم أنها لا تبدو خرقاء بما يكفي، لتتسبب عرضاً في انهيار عمليات الإنتاج في جميع أنحاء العالم.

وهناك تهديد آخر، يتمثل في أن عودة الصين إلى نموذج النمو القائم على التصدير، ستُحدث اختلالات عالمية. ولا شك أن هذه المخاطر حقيقية، لكن الصين، على الأقل، تُركز على النمو بدلاً من أيديولوجية إنكار تغير المناخ.

كما أن الأصوات التي تسمعها أذن شي جين بينغ، من المهندسين والفنيين الذين يُديرون حكومة الصين، أكثر إيجابية من أصوات خبراء التكنولوجيا والمديرين التنفيذيين في قطاع الوقود الأحفوري، الذين يخضعون لسيطرة ترامب

وفي حين أن الأمر لا يزال مبكراً نسبياً – حيث إن رسوم يوم التحرير لم تدخل حيز التنفيذ فعلياً إلا في أغسطس، وهناك رسوم قطاعية أخرى في الطريق – فقد أثبتت تدخلات ترامب حتى الآن، أنها تشكل إزعاجاً أكثر منها تهديداً حقيقياً للتجارة. كما تتواصل في الوقت نفسه قيود السوق المالية والاقتصادية، التي خففت من حدة الرسوم.
وباختصار، فإن الاقتصاد العالمي يمكنه الصمود في وجه انقطاعات التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة والصين. أما انهيار قطاع الذكاء الاصطناعي، وهو القطاع الاقتصادي الأمريكي الذي وضع فيه المستثمرون وترامب نفسه ثقة كبيرة، فسيكون أي صدمة يحدثها، أشد وطأة بكثير