كيف تمكنت أخطر شركة تجسس في العالم من العمل بالخفاء لسنوات؟

ازدهرت في السنوات الماضية صناعة التجسس بشكل واسع، وذلك مع تطور الأجهزة التقنية واستخداماتها المتنوعة، وتزامن هذا الأمر مع بزوغ اسم مجموعة من الشركات التي اتخذت من هذا القطاع مصدر رزق لها.

وربما تعد “إن إس أو” (NSO) الإسرائيلية والمطورة لبرمجية “بيغاسوس” الخبيثة -التي استُخدمت في التجسس على العديد من الشخصيات البارزة، ومن ضمنها الصحفي جمال خاشقجي كما جاء في تقرير موقع “ماذر جونز” (MotherJones)- إحدى أبرز هذه الشركات.

ولا يعني هذا أنها الشركة الوحيدة العاملة في هذا القطاع، إذ توجد العديد من الشركات التي تتخذ من قطاع التجسس موطنا لها، ومن بينها شركة ظلت مجهولة حتى وقت قريب، ولكن خطرها يتخطى الخطر الذي تمثله “إن إس أو”.

وتمكنت هذه الشركة المجهولة من تتبّع هواتف العديد من الشخصيات البارزة حول العالم ومن مختلف القطاعات، وهذا التتبع لم يكن معتمدا على ثغرة يمكن إغلاقها في الهواتف أو حتى رسائل خبيثة تخترق الهواتف، إذ كان يتم دون أي تدخّل من الضحية، سواء للضغط على رابط أو تحميل أي تطبيق.

وخلال 7 سنوات تمكنت شركة “فيرست واب” (First Wap) من إجراء أكثر من مليون عملية تتبّع والتجسس على كوكبة من الشخصيات، سواء كانت بارزة أم لا، بدءا من علماء “غوغل” في القطاعات المختلفة وحتى زوجة سيرغي برين مؤسس الشركة ومدربي صحة في هاواي.

فمن هي شركة “فيرست واب”؟ وكيف تمكنت من الاختفاء في الظلال حتى اليوم؟

غطاء من السرية والثغرات القانونية

أجرى موقع “ماذر جونز” بالتعاون مع مجموعة من المواقع الصحفية -من بينها مؤسسة “لايت هاوس ريبورتس” (Lighthouse Reports)- تحقيقا لمدة عام ونصف استطاعت خلاله الكشف عن العديد من أسرار “فيرست واب” وتورطها في عمليات تجسس وتتبّع تفوق تلك التي كشف أسرارها إدوارد سنودن في عام 2013.

وتضمّن تقرير الموقع زيارة متخفية لمجموعة من الصحفيين إلى أحد أبرز مؤتمرات الشركات الأمنية التي أقيمت هذا العام، وتحديدا في براغ، وهو مؤتمر “آي إس إس ورلد ترينينغ” (ISS World Training)، حيث يتقابل العديد من العاملين في قطاع الأمن والمراقبة، سواء كانوا من الهيئات الحكومية أو الشركات الخاصة.

وتحدّث الفريق الصحفي هناك مع غونتر رودولف كبير رجال المبيعات في الشركة، فضلا عن مجموعة من المديرين التنفيذين الآخرين للشركة، ودار الحديث حول قدرات منظومة ” ألتاميدس” (Altamides) للتجسس وتتبّع الهواتف، إذ أكد رودولف أن المنظومة قادرة على تتبّع حركة الهواتف المحمولة داخل أي بلد في العالم وحتى اختراق واتساب دون تدخّل من المستخدم.

وتعتمد آلية عمل منظومة “ألتاميدس” بكل بساطة على جمع بيانات الهواتف المحمولة وأماكن وجودها من خلال أبراج الاتصال الموجودة بقربها، وذلك حتى وإن كانت هذه الأبراج في دولة خارجية وفي أي مكان بالعالم دون الحاجة للوصول إلى مزود خدمة الإنترنت أو شبكة الاتصال التي يتم استخدامها.

ويعني هذا أن عميلا في الولايات المتحدة قادر على تتبّع موقع ضحية في جنوب شرق آسيا دون أن يغادر منزله أو يحصل على التصريحات اللازمة من شركات الاتصالات، ووصف أحد موظفي الشركة السابقين ما تقوم به بأنه “سابق لآوانه” رغم أنه تركها في مطلع القرن الجاري.

كوكبة متنوعة من الضحايا

ويشير تقرير “ماذر جونز” إلى مجموعة كبيرة ومتنوعة من الضحايا الذين تم استخدام “ألتاميدس” ضدهم، وذلك رغم أن المستندات التي وصلت إلى الموقع كانت للفترة بين عامي 2007 و2014 فقط.وتضم قائمة الضحايا عددا من الأسماء والشخصيات البارزة مثل الممثل الشهير جاريد ليتو الذي تم تتبّع هاتفه 4 مرات في عام 2012، فضلا عن آن فوجسيكي مؤسسة شركة اختبارات “دي إن إيه” التي تزوجت لاحقا من سيرغي برين المؤسس المشارك لشركة غوغل، وقد تم تتبّعها أكثر من ألف مرة تقريبا في عام 2009.

كما ضمت القائمة مجموعة من الشخصيات في العالم العربي مثل أسماء الأسد زوجة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، إذ تم تتبّع هاتفها أكثر من 5 مرات في عام 2013.

ويشير التقرير إلى أن المنظومة استخدمت لتتبّع ديفيد باتينجا ابن شقيق رئيس الاستخبارات الرواندية المنشق باتريك كاريجيا، وهو الذي تم اغتياله في فندق أبراج مايكل أنجلو في جوهانسبرغ عام 2014.

وكذلك رئيس الوزراء القطري في عام 2013، إذ أظهر التقرير 18 محاولة تتبّع لهاتف مرتبط بحمد بن جاسم بن جبر آل ثاني الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء القطري في ذلك الوقت.

كارثة تتخطى المقاييس

ويصف رون ديبرت مدير “سيتيزن لاب” في جامعة تورنتو ما تقوم به شركة “فيرست واب” بأنه تمكين لمجموعة من أسوأ الطغاة والمستبدين في العالم من تقويض الركائز الأساسية للديمقراطية، وذلك في حديثه مع موقع “ماذر جونز”.

وتمثل مختبرات “سيتيزن لاب” إحدى قلاع الدفاع عن الحريات في العالم، وكان له دور كبير في كشف الجهود التي تقوم بها شركة “إن إس أو” وبرمجيات “بيغاسوس” الخبيثة في التجسس على المستخدمين.

ويضيف “لديك شركة كانت قادرة على العمل في الظل دون أي مساءلة عامة أو شفافية”، مما يزيد خطورة ما تقوم به الشركة، فضلا عن قائمة عملائها التي لا توجد فيها خطوط حمراء وفق تصريحات موظفي الشركة السابقين للموقع.