في سوق المال العالمي، حيث تتسابق الأصول على لقب «الملاذ الآمن الأفضل»، يخوض الذهب والبيتكوين منافسة شرسة تكشف عن تحولات جذرية في شهية المخاطرة لدى المستثمرين الكبار والصغار. ورغم أن العملة الرقمية المفضلة (البيتكوين) قد تفوقت على المعدن الأصفر بأكثر من تسعة أضعاف خلال السنوات الخمس الماضية، إلا أن عام 2025 يحمل معه مفاجأة مدوية: الذهب يتقدم بفارق كبير، مُشعلًا حالة من الحسد المفاجئ لدى عشاق العملات المشفرة!
الذهب يتألق في زمن الفوضى
في سباق هذا العام، يبدو الذهب في صدارة لا جدال فيها. منذ يناير، حقق المعدن الثمين ارتفاعاً مذهلاً بنسبة 45 %، مدفوعاً بحالة الاضطراب العالمي المتزايدة، والتضخم الذي يلتهم قيمة العملات الورقية. وفي المقابل، لم يتجاوز ارتفاع البيتكوين نسبة 20 %، وهي فجوة أثارت تساؤلات حول ما إذا كان الذهب الرقمي قد فقد بريقه.
الفوضى الجيوسياسية
هذا الأداء القوي للذهب ليس وليد الصدفة؛ فالبنوك المركزية وصناديق التقاعد حول العالم، التي أرهقتها العجوزات الحكومية والفوضى الجيوسياسية، تتدفق بقوة إلى سوق الذهب المثبت تاريخياً. تشير التقارير إلى أن إجمالي حيازات البنوك المركزية من الذهب على وشك أن يتجاوز حيازاتها من سندات الخزانة الأمريكية لأول مرة منذ منتصف التسعينيات.
تستند المقارنة بين الذهب والبيتكوين إلى أرضية فلسفية صلبة: فكلاهما نادر، ومحصن ضد التضخم وعمليات «طباعة النقود» الحكومية المفرطة، وكلاهما يجذب «المتمردين» الذين يشككون في مستقبل العملات الورقية. حتى ساتوشي ناكاموتو، المبتكر الغامض للبيتكوين، أشار في ميلاد عملته إلى مرسوم روزفلت عام 1933 الذي حظر حيازة الذهب.
يقول إد إيجيلينسكي، مدير الاستثمارات البديلة في شركة دايريكسون، بوضوح: «يُعدّ البيتكوين رهانًا على المخاطرة حتى يثبت العكس».
الغطاء المالي
يتداول الذهب كملاذ آمن كلاسيكي، يتألق عندما يسود الخوف وتتراجع شهية المستثمرين للمخاطرة. إنه بمثابة «مرساة حصينة» في محيط الأسواق الهائج.
يتمتع الذهب بسيولة هائلة ومزايا تنظيمية تجعله الخيار الأسهل والأمثل للبنوك المركزية وصناديق التقاعد الضخمة. وفي الصين وحدها، يتجاوز عدد مالكي المجوهرات الذهبية (أكثر من 81% من السكان) إجمالي عدد مالكي البيتكوين في العالم (المقدر بـ 295 مليون شخص).
السهم التكنولوجي
على الرغم من سمعته كعملة آمنة، إلا أن البيتكوين يتحرك في السوق كأصل تكنولوجي بامتياز. منذ عام 2017، تحرك البيتكوين بوتيرة أسرع مع مؤشر ناسداك 100 (المُركز على التكنولوجيا) بارتباط بلغ 0.32، بينما كان ارتباطه بالذهب لا يتجاوز 0.09. هذا يعني أن البيتكوين يرتفع مع أسهم النمو وينخفض عندما تشتد الأزمة التكنولوجية، وليس الأزمة النقدية العالمية.
يرى لورانس ليبارد، مؤسس شركة «إكويتي مانجمنت أسوشيتس»، أن العالم مقبل على ما يسميه الاقتصاديون النمساويون بـ «طفرة انهيار» (Crack-Up Boom)، وهي تهافت المستثمرين على الأصول الملموسة بسبب طباعة النقود المفرطة. ووفقاً لليبارد، يستفيد الذهب حالياً بشكل مبكر لأن البيتكوين لا يزال يفتقر إلى هذا القبول المؤسسي الواسع، وغالباً ما يتأخر في الاستجابة للاضطرابات الاقتصادية الكلية، ولكنه عندما يتحرك، فإنه يتأرجح بقوة.
