سايكس بيكو ومغالطات توم باراك.. لسنا مجرد قبائل وقرى وعرقيات

بعد تصريحاته المثيرة فى لبنان ضد الصحفيين في 26 أغسطس الماضى، تجيء تصريحات السيد توماس باراك للصحفيين الجمعة الماضي 26 سبتمبر أكثر إثارة وخاصة قوله: «لا يوجد شرق أوسط، وإنما قبائل وقرى ودول قومية أنشأها سايكس بيكو.. أعتقد أنه وهم أن نرى 27 دولة مختلقة فيها 110 مجموعات إثنية تتفق على مفهوم سياسي».. فهل الشرق الأوسط كما وصف؟! وهل الدول الموجودة فيه كلها نتاج سايكس بيكو تلك الاتفاقية التى وقعت فى 15 مايو سنة 1916، وشاركت فيها إنجلترا وفرنسا وروسيا؟ ففى تصريحاته هذه مغالطات تاريخية وفكرية واختزالية تستحق النقاش والكشف والتفكيك.

فعلى سبيل المثال، لم تكن دول كمصر وإيران والمغرب العربى وتركيا وأغلب دول الخليج العربى جزءًا من اتفاق سايكس بيكو ولم تتأثر بها حدودها، حيث اختصت هذه الاتفاقية تحديدًا بالشام وجنوب العراق وبعض المناطق الأناضولية تكون لروسيا، ولكن لم تنجح فى الأخيرة نتيجة حرب الاستقلال التركية بين عامى 1919 و1923، وتأثيرها العربى الوحيد أنها خذلت حلفاءها العرب التى دعمتها فى حربها ضد الأتراك، ونكثت بوعودها، ووضعت فلسطين تحت الانتداب البريطانى تمهيدًا وفقط لقيام دولة إسرائيل، حسب وعد بلفور الذى صدر بعد الاتفاق بعام واحد.

نعم.. ثمة تغيرات بعد هذه الاتفاقية، لكن ليس بسببها تحديدًا، ولكنها نتائج الحرب العظمى الأولى، فعقب هذه الحرب انتهت من الوجود خمس عشرة دولة كانت موجودة قبلها، ولم يعد لها وجود، وكذلك سقطت بعدها خمس إمبراطوريات عظمى شاركت فيها، وهى: (الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية الروسية القيصرية والنمساوية والمجرية).. فالحرب العظمى هى التى غيرت خريطة العالم وليس بعض أجزاء منطقتنا فقط، أو مناطق النفوذ فيه.

كما تتجاهل هذه النظرة الاختزالية للسيد توم باراك مسارات وتاريخ الدول القومية والوطنية فى المنطقة، ووجود حكومات ودول ودساتير كانت من الأولى فى العالم، وأذكره أن دستور خير الدين باشا التونسى الصادر سنة 1861م كان سادس دستور فى العالم حينئذ، وصدر بعده الدستور المصرى سنة 1882، وعرفت هذه البلاد المجالس التشريعية، فقد تأسست الجمعية التشريعية فى مصر سنة 1913، وتأسست النظارات والمدارس والتنظيمات العمومية منذ القرن التاسع عشر قبل سايكس بيكو بعقود!! وبعدها كذلك.