في اطار فهم السياسة الامريكية الخارجية والداخلية، ساتوقف عند كتاب لوزير الدفاع الامريكي الحالي ،وهو كتاب:
American Crusade: Our Fight to Stay Free
ومؤلفه هو الوزير Pete Hegseth الضابط السابق في الجيش الامريكي المولود عام 1980 والمقرب كثيرا من ترامب، وقد شارك في العلميات العسكرية في الشرق الاوسط بخاصة في العراق وافغانستان، كما ان لديه خبرة اعلامية ، ويبدو ان الرجل يتشارك مع ترامب حتى في عدد الزوجات ، فرغم ان عمره حاليا 45 سنة، فقد تزوج 3 مرات كسيده.
أعود للكتاب الذي صدر قبل خمس سنوات(2020) ، وتكمن اهمية الكتاب في ان مؤلفه يحتل منصبا هاما في الادارة الامريكية، كما ان مضامينه تكشف “الرؤية الاستراتيجية” لفريق العمل الذي يقوده ترامب حاليا، مما يفترض من كل مسؤول عربي أن يطلع عليه ، كما ان درجة تطابق مضامينه مع “أدبيات ترامب السياسية” تعطي اهمية ودلالات كثيرة.
تلخيص الكتاب:
يقع الكتاب في 352 صفحة ( طبعة Center Street)، وقد قسمه الى 3 اقسام، ويمكن اعتبار الجزء الثاني (الفصول من 4-12) هي الأهم ، لكن الجزء الثالث( فصل 13) يعني القارئ العربي ،فعنوانه ” خطوط الجبهة: التعليم واسرائيل”.
ويلاحظ ان الجزء الاول يناقش رؤيته للداخل الامريكي وعلاقاته مع ترامب وتصوره لما عليه امريكا الآن وما يجب ان تكون عليه(وهو ما يوحي به عنوان الكتاب:الصليبية الامريكية”، اي ان على امريكا ان تعيد تطبيق” منهجية” السياسة الصليبية الأولى(وهو ما سنوضحه بالتفاصيل)، اما الجزء الثاني فيتم فيه تقسيم القوى في العالم من منطلق لا جغرافي بل من منظور توجهات ثقافية ومعرفية وقيمية ( اليسار،العولمة،الجندرية – النوع الاجتماعي- الاشتراكية،العلمانية،والبيئيوية(Environmentalism)،والنخبوية،والتعددية الثقافية، ثم الاسلاموية.
الافكار المركزية في الكتاب:
بعيدا عن التفاصيل “القصصية” او الاطناب في بعض الاحيان، فإن الكتاب يقوم على فرضيات ثلاث ، وتكاد تتطابق –سياسيا- مع الرؤية التي يتبناها ترامب مع تباين في “بعض التفاصيل”، وهذه الفرضيات هي:
أولا: اعتبار اليسار (الماركسي) والديمقراطي الامريكي وتيار العولمة والاسلام هم اعداء الولايات المتحدة الذين يستحقون حملة صليبية امريكية للتخلص منهم.
يقول هيغسيث في كتابه إن “اليساريين” قد “حاصروا الوطنيين الأمريكيين التقليديين من كل جانب، وهم مستعدون للهجوم علينا، وقتل مؤسسينا، وتدمير عالمنا، وتدمير الرأسمالية”، وأن هناك “اختلافات لا يمكن التوفيق فيها بين اليسار واليمين في أمريكا، مما يؤدي إلى صراع أبدي لا يمكن حله عبر العملية السياسية”، مما يستوجب حملة صليبية لاجتثاثهم من ميادين سيطروا عليها مثل التعليم والدين والثقافة -، ويعتبر-الكاتب الوزير- ان هذه هي الحرب المقدسة الشاملة لتحقيق حرية انسانية عادلة”.
و يتمثل جوهر موضوع “الحملة الصليبية الأمريكية” في شعار محدد هو “الأمركة ” ويحدد مضامينها في معارضة مجموعة من القوى مثل الحركة النسوية والعولمة والماركسية والإسلاموية…وغيرها ، و بنزق فكري واضح يقول حرفيا إما أن “الأمركة” ستنتصر أو ان “الموت” هو من سينتصر.
والأغرب في هذا الكتاب انه لا يقتصر على ما ذكر من الاعداء بل يمتد عداؤه الى الديمقراطية فيقول” إن اليساريين والتقدميين والديمقراطيين هم “أعداء” الحرية والدستور الأمريكي والولايات المتحدة ،فالديمقراطية ليست الا مطلباً يسارياً؛ ومضمونها اليساري يعني ” رفضاً تاماً لنظامنا “.
لكن هذا الكتاب المتطرف للغاية يذهب الى حد المناداة بان على ” الهيئات التشريعية الجمهورية أن ترسم خطوطاً في الكونغرس تصب في مصلحة المرشحين المؤيدين للحرية – وتُسيء إلى الديمقراطيين” أي كأن نزاهة الانتخابات غير مقبولة من وجهة نظره إذا اوصلت خصومه للسلطة.
ولكي يوضح الصورة اشار في كتابه الذي رافق نشره الحملة الانتخابية عام 2020 الى موقفه المنحاز بالمطلق لترامب ، فقال ما يكرره ترامب كثيرا مثل – موجها الخطاب للمواطن الامريكي ” إذا كانت وسائل الإعلام والآلات اليسارية تكره الرئيس ترامب فهي تكرهك بنفس القدر، إن لم يكن أكثر”.
والغريب في الكتاب اللغة التحذيرية الفجة مثل ادعائه بانه إذا خسر ترامب وفاز الديمقراطيون في انتخابات 2020، ” فإن أمريكا حسب ما يقول حرفيا ” ستتدهور وتموت، وسينشأ تفكك وطني،وسيكون محبو الحرية هم الأقل عددًا ،مما سيُجبر الجيش والشرطة، على اتخاذ قرار، فسيكون هناك شكل من أشكال الحرب الأهلية، وهو السيناريو المروع الذي لا يريده أحد، ولكن من الصعب تجنبه”.
ويرتب على نتيجته التحذيرية السابقة استنتاج أكثر حدة بالقول إن نهاية القوات المسلحة للولايات المتحدة، التي هي الجيش الوحيد القوي المؤيد للحرية والمسيحية ولإسرائيل في العالم”، ستعني نهوض الصين الشيوعية وتحكمها في العالم. وستستسلم أوروبا رسميًا ، وسيحصل الإسلاميون على الأسلحة النووية وسيسعون إلى محو أمريكا وإسرائيل من على الخريطة”.
ان الصورة السابقة هي النسخة الاصلية لما يدور في عقل ترامب، لكنه يبدو اكثر وضوحا في نزعته العدائية ، فتجده في مواضع مختلفة من الكتاب يطالب ” المحافظين الذين يعتبر نفسه ممثلهم ب” إذلال وترهيب وسحق اليساريين”.
ويتضح التطابق اكثر بينه وبين سيده ترامب في دعواته في صفحات الكتاب الى بناء جدار حدودي للولايات المتحدة، ورفع الرسوم الجمركية، ونشر اللغة الإنجليزية .
لكن الغريب أن هذا الحريص على الولايات المتحدة ، يدعو اولياء امور طلاب المدارس الذين ” تُقمع فيها الآراء المحافظة الى أن ينظموا وقفات احتجاجية في ردهة مدارس أطفالهم للدفاع عن حرية التعبير، ثم يضيف في دعوة تحريضية القول ” عندما تُعلن الشركات المحلية “مناطق خالية من الأسلحة احملوا سلاحكم الناري المملوك قانونيًا وتحدوهم “، وهو هنا يتكئ على نص في التعديل الدستوري الامريكي الثاني.
ثانيا: العداء التام للاسلام واعتبار ذلك اساسا لبناء استراتيجية الدفاع المطلق عن اسرائيل:
يصف هيغسيث الاسلام حرفيا بانه “ليس دين سلام، ولم يكن كذلك قط”، ويدعم حجته استنادا لمؤشر محدد فيقول أن “جميع الدول الإسلامية الحديثة هي مناطق محظورة رسميًا أو واقعيا على المسيحيين واليهود المتدينين”، ويضيف وزير الدفاع الامريكي في كتابه النص التالي الذي اتمنى من كل عربي ومسلم ان يمعن في دلالاته ،يقول حرفيا :
” إن الإسلاميين يخططون لغزو” أوروبا وأمريكا ديموغرافيًا وثقافيًا وسياسيًا، وهم يتحالفون مع العلمانية لسحق مؤسسات أمتنا اليهودية المسيحية …ويخططون لزرع أكبر عدد ممكن من المسلمين في الغرب، وبفضل معدلات المواليد المرتفعة جدًا لديهم مقارنةً بالسكان الأصليين وثقافتهم المنعزلة استراتيجيًا، يتكاثر أبناء وبنات هؤلاء المهاجرين واللاجئين بأعداد أكبر من المواطنين الأصليين”.
ويرتب وزير الدفاع الامريكي على معطياته السابقة تفسيرات لبعض الظواهر السياسية في الغرب مثل قوله أن ” انتخابات المسؤولين الحكوميين المسلمين في المملكة المتحدة هو نتيجة زيادة عدد المسلمين في أوروبا ” ، ثم يرتب الوزير تنبؤا جديدا بأن ” الولايات المتحدة ستتبع المسار نفسه ” ويضيف بلغة تحريضية لا لبس فيها أن “كل طفل مسلم تقريبًا ينشأ وهو يستمع إلى القرآن ويتعلم القراءة منه …بينما المدارس الامريكية العلمانية لا يوجد فيها أي أثر للكتاب المقدس ”
ويذهب وزير الدفاع الامريكي الى ما هو اكثر شططا في تفسير “غريب ” لموضوع الهجرة ” فيقول إن الإسلاميين يتمسكون بمبدأ يُسمى “الهجرة”، ويفسره الوزير بانه “يشير إلى الاستيلاء السلمي على بلد غير مسلم ..من خلال استيلاء ثقافي، ومادي، ونفسي، وسياسي، وفي نهاية المطاف ديني” .
ولكن يعزز تفسيره لظاهرة الهجرة الاسلامية (الاستيلاء السلمي على المناطق) يجعل امريكا هي الدليل ،فهو يقول حرفيا ” أن المساجد والمدارس المتطرفة مسموح لها بالعمل في الولايات المتحدة …و إن المملكة المتحدة قد “غزاها” الإسلام؛ ثم يضيف حرفيا “لقد غُزِيَ البريطانيون ولم يكونوا يعلمون ذلك ، وفي غضون جيل واحد لن تكون المملكة المتحدة موحدة ولا مملكة غربية، وإن مدنا مثل لندن، وبرمنغهام، وليدز، وبلاكبيرن، وشيفيلد، وأكسفورد، ولوتون، وأولدهام، وروكديل، جميعها لديها الآن رؤساء بلديات مسلمون”.
و ينتقد هيغسيث دولًا أوروبية مثل ألمانيا، وفرنسا، والنرويج، والسويد، وهولندا بسبب “سياساتها الكارثية في فتح الحدود ودعم المهاجرين، بينما من ناحية أخرى، نجد أن الدول التي تريد البقاء حرة… تقاتل بشراسة لمنع انتشار الإسلام”.
ويربط الوزير الامريكي موضوع الاسلام بالحروب الصليبية، لكنه يعرضها بطريقة تتسق وتفكيره فيقول أن الحروب الصليبية ” بدأت في “القرن الحادي عشر، عندما كانت المسيحية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك الأماكن المقدسة في القدس، محاصرة من قبل الإسلام لدرجة أن المسيحيين كان أمامهم خيار صعب: إما شن حرب دفاعية أو الاستمرار في السماح بتوسع الإسلام ومواجهة حرب وجودية في أوطانهم في أوروبا”. ويضيف إن “البابا والكنيسة الكاثوليكية والمسيحيين الأوروبيين اختاروا القتال – ومن هنا وُلدت الحروب الصليبية، فقد حث البابا أوربان الثاني المؤمنين على قتال المسلمين بشعاره الشهير: “الله يشاء”.
في ظل توصيفه السابق يضع ملامح استراتيجيته للمواجهة تقوم على استعادة الحروب الصليبية مجددا فيقول ” إن التصويت في الانتخابات هو “سلاح” ولكنه غير كافٍ، ومع أننا لا نريد القتال، ولكن، كما فعل إخوتنا المسيحيون قبل ألف عام، يجب علينا ذلك”
والغريب ان يقفز الوزير الى تنبؤات تربط بين ما سبق وبينها ، فهو يتوقع-في عام 2020- ان ينتهج بايدن “سياسة خارجية معادية لإسرائيل ومؤيدة للإسلاميين”.
ويربط الوزير الامريكي موقفه من الاسلام واسرائيل بالدور الذي يراه سلبيا للأمم المتحدة، ويطالب باعادة النظر في تمويل الولايات المتحدة للمنظمة الدولية لانها حسب زعمه ” تُروج بقوة لأجندة معادية لأمريكا وإسرائيل “.
ويؤكد أيضًا أنه “إذا كنت تحب هؤلاء- اي رجال الحروب الصليبية- فتعلم أن تحب دولة إسرائيل” ، وهذا ما يفسر اشادته المتواصلة في الكتاب باسرائيل وبرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والسياسيين الشعبويين اليمينيين في أوروبا.
وتتجلى آراؤه تجاه اسرائيل بتحريضه ضد شركات التواصل الاجتماعي التي تقوم ” بمراقبة الأصوات المحافظة بدلًا من الجهاديين المتعصبين أو اليساريين الفاسدين”، كما ينتقد مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، قائلًا إن جماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية هي التي “روجت لعقود للرسالة الاسلاموية المتطرفة “، ويرى- في اطار تحريضي- ان السيناتور الامريكي بيرني ساندرز “شخصية مفضلة لدى الأمريكيين المسلمين بسبب دعمه للقضايا الفلسطينية ونفوره من إسرائيل”.
ثالثا:الميل لاعتبار حلف الناتو عبئا اكثر منه عونا للولايات المتحدة:
على غرار ما يردده ترامب ، يصف هيغسيث حلف شمال الأطلسي (الناتو) بأنه ” ليس تحالفًا، بل هو ترتيب دفاعي لأوروبا تموله الولايات المتحدة”.
وفي ضوء تصوره لوظيفة الناتو يطالب ب “إلغائه وإعادة صياغته من أجل دفاع حقيقي عن الحرية “، ويرى ان الخلل في استراتيجية الناتو في أن أوروبا ” اختارت عدم إعادة بناء جيوشها، واستثمرت بابتهاج استعداد أمريكا للقتال عنها “. لذا فإن “الدفاع عن أوروبا ليس مشكلتنا ، وقد خضنا هذه التجربة مرتين”.
ومن ضمن رؤيته لحلف الناتو يثير نقطة هامة وهي أنه “ينتقد عضوية تركيا في الحلف “، ويبرر ذلك بان الرئيس التركي يريد استغلال الحلف لتحقيق احلامه وهي ” استعادة الإمبراطورية العثمانية” ، ويستند تحليل الوزير في ذلك الى ان اردوغان يتبنى رؤية ” إسلامية للشرق الأوسط”.
هكذا يفكرون…ربما.
