في مشهد أشبه بلوحة مستمدة من عوالم الخيال العلمي ، ولكنها تتحقق على أرض الواقع ، أثارت شركة تكنولوجية صينية جدلاً واسعاً بين التفاؤل بالابتكار الغير مسبوق والتحذير من التحديات الأخلاقية والعلمية ، وذلك بالإعلان عن أول روبوت في العالم مزود برحم صناعي قادر على محاكاة رحلة الحمل البشري كاملة، ابتداء من لحظة التخصيب وحتى لحظة الولادة ،حيث تم الكشف عن هذا الابتكار في مؤتمر الروبوتات بالعاصمة بكين، ليعلن عن فتح أبوابا جديدة للأمل في وجه من يعانون من العقم أو يواجهون صعوبات في الإنجاب، لكنه في الوقت ذاته أطلق عاصفة من النقاشات والانتقادات الأخلاقية والعلمية، ليضع امامنا علامات استفهام كبرى حول ما ينتظر الإنسان غدا،حين يندمج الطب مع الذكاء الاصطناعي في معادلة واحدة .
وبحسب ما صرح به مؤسس الشركة، فإن الروبوت قادرعلى حمل الجنين لمدة تصل إلى عشرة أشهر كاملة داخل بيئة شبه طبيعية، تحاكي الرحم البشري بكل تفاصيله الدقيقة ،حيث يتغذى الجنين عبر أنبوب يحاكي الحبل السري، ويتنفس ويتحرك في سائل أمينوسي صناعي يحاكي الوسط الحيوي الذي يوفره جسد الأم خلال الحمل الطبيعي ، والغريب والأكثر إثارة للدهشة أن الروبوت لا يقتصر دوره على مجرد حضانة، بل يقوم أيضا بمراقبة حالة الجنين بشكل مستمر، والتأكد من حصوله على كافة العناصر الغذائية والهرمونات الضرورية لنموه ، وهو ما يعني أن التقنية تمثل بيئة متكاملة العناصر، تحاكي تماما دورة الحمل الطبيعي حتى لحظة خروج المولود إلى الحياة ، وتؤكد الشركة أن هذا الابتكار قد وصل بالفعل إلى مرحلة النضج المختبري، والخطوة التالية هي دمج التقنية داخل روبوت لتصبح تجربة تفاعلية أكثر قرباً من الإنسان.
ومن المتوقع بحسب تصريحات الشركة، أن يتم طرح النموذج الأولي للاستخدام التجريبي بحلول عام 2026، على أن يبلغ سعر الجهاز حوالي 14 ألف دولار، وهو رقم يبدو ضخماً لكنه قد يغدو مقبولا لدى بعض الفئات، خاصة ممن يبحثون عن بدائل للإنجاب التقليدي أو يرغبون في تجنب أعباء الحمل الطبيعي والسؤال هنا ايعد هذا الابتكار ثورة علمية أم انه أزمة أخلاقية؟ فعلي الرغم من انه قد وصف بأنه الأمل الجديد لطب الإنجاب إلا أنه واجه في المقابل انتقادات حادة وتحذيرات من تبعاته الأخلاقية والقانونية وهو يفتح الباب أمام أسئلة جوهرية ، فهل يمكن الوثوق تماماً بهذه التقنية؟ هل سيكون الطفل الناتج سليماً جسدياً ونفسياً؟ ومن يتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية في حال حدوث أي خلل للطفل؟ وأي حقوق ستكفل له؟ إن هذا الابتكار يضع الإنسانية كلها أمام منعطف شديد الانحدار ، فإذا كان الرحم الصناعي قادرا على إنجاب أطفال بعيدا عن جسد المرأة، فكيف سينعكس ذلك على مفهوم الأمومة والأسرة والعلاقات الاجتماعية؟ حتى هذه اللحظة، تخوض الشركة مفاوضات مع الحكومة الصينية من أجل وضع إطار قانوني ينظم استخدام هذه التكنولوجيا ، لأنها لا تتعلق فقط بالجانب الطبي، وإنما تمتد إلى الأمن الاجتماعي والأبعاد الدينية والأخلاقية،
ويخشى البعض أن يؤدي هذا الابتكار إلى فتح الباب أمام استغلال تجاري أو غير إنساني في ظل سباق عالمي محموم نحو السيطرة على ابتكارات تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات، لا شك أن هذا الابتكار يفتح آفاقاً جديدة لعلاج العقم ومشكلات الإنجاب ، لكن في الوقت ذاته، يثير مخاوف عميقة من أن يخرج الذكاء الاصطناعي عن حدود السيطرة، ليعيد تشكيل حياة الإنسان ووجوده بطرق لم نكن نتخيلها من قبل.
