السيناريو المتشائم للشرق الاوسط

من بين أوزار التفكير العربي اشكالية التفكير بالرغبة(Wishful Thinking)، وليس هناك ما يمنع هذا النمط من التفكير شريطة ان لا يحجب التفكير في السيناريو المتشائم ، لكي لا تحضر الجهة الخامسة او البجعة السوداء.

وتتضح ملامح الاتجاه الأعظم في المواجهة الدولية في الشرق الاوسط في المظاهر الآتية(دون دخول في التفاصيل):
منذ 1948 حتى الآن انهزمت الآيديولوجيات العربية واحدة تلو الآخرى.
1952-1970: هزيمة قاسية للتيار الناصري ونزعته القومية
1970-1993 هزيمة للمقاومة الفلسطينية وتخليها عن الميثاق الفلسطيني بل وانتقالها للصف الآخر.
1994-2024 انهيار تام للنظم القومية في العراق وسوريا وليبيا
2025- الآن: تعرض محور المقاومة بنزعته ” الدينية الثورية ” لضغوط استراتيجية هائلة ، وانتقل النقاش داخل هذا التيار من تحرير فلسطين والارض العربية الى تسليم السلاح وادخال المساعدات ووقف اطلاق النار …الخ.
ماذا يعني ذلك:
ان آخر معاقل المقاومة حاليا هو النموذج الديني ممثلا في التيارات السياسية للاخوان المسلمين بشكل عام، وهذا التيار بعضه متصالح ومصنوع من الاجهزة الرسمية الامنية ، وبعضه حائر، والبعض الآخر يقاوم في ظروف لم يتخيلها حتى اكثر المتشائمين في صفوف هذا التيار، وبعضه انتقل من “خنادق الجهاد” ضد دولته الى “فنادق” التسويات في العواصم الاوروبية .
من الواضح ان “تفريغ القضية الفلسطينية من مدلولاتها وآفاقها العربية” هو المرحلة المتبقية لاكتمال الاتجاه الاعظم، ويبدو ان ملامح ذلك تتضح في الاحتمالات التالية :
أ‌- تفريغ غزة واجزاء كبيرة من الضفة الغربية عبر “ذهب المعز وسيفه”.
ب‌- ان ترامب لم يتخل بشكل واضح عن مشروع الريفيرا الغزي ،ويبدو انه ينتظر استكمال نيتنياهو تفريغ الارض بالقوة، لذلك يصمت عن كل ما يقترفه ، مستندا لمواقف عربية مؤيدة لذلك للتخلص من آخر ايديولوجيا او عقيدة قد تدفع لتغيرات سلطوية عربية، وهو تلاق مصلحي عربي امريكي صهيوني يعزز الاتجاه الاعظم.
ت‌- اعلان مشروع اسرائيل الكبرى رغم كل ما ينطوي عليه من مبالغات تفوق قدرات اسرائيل ،فان تحقيق اقل قدر ممكن منه يشكل تدعيما للاتجاه الاعظم.
ث‌- تقديم نماذج أدعت الجهاد يوما لتكون فاعلا من وراء ستار في باريس وخارجها لتيسير تطبيق اسرائيل الكبرى وتوسيع دائرة التطبيع معها بالحلال السياسي رغم الحرام الديني.
ج‌- استثمار انشغال روسيا (باوكرانيا) واستثمار تنامي النزعة البراغماتية في السياسة الخارجية الصينية لتعزيز المشروع الامريكي الصهيوني في المنطقة ، بل وقد يقوم ترامب بمقايضة شرق اوروبا بالشرق الاوسط.
لكن هناك معوقات: منها:
أ‌- التحولات المتصاعدة في المواقف الدولية بخاصة القلق في اوروبا من تداعيات الصراع في الشرق الاوسط على مصالحها الاستراتيجية.
ب‌- التعثر المتتالي في السياسات الداخلية الامريكية ومحدودية نتائج سياسات ترامب التجارية .
ت‌- تحولات الرأي العام الدولي ضد اسرائيل بشكل واضح وبخاصة بين الشباب .
ث‌- تزايد عدم الاستقرار السياسي في اسرائيل خلال عامين بنسبة ارتفاع واضحة ، واصبح معدل عدم الاستقرار السياسي في اسرائيل طبقا لكل نماذج القياس يتراوح بين 75-78%، وهو ما يضعها ضمن اسوأ ثمانية دول في العالم في معدل الاستقرار السياسي حتى منتصف 2025.
كيف ستتفاعل المعوقات مع الاتجاه الاعظم ،هو السؤال المركزي ،مع ملاحظة:
أ‌- ان تأثير ايقاع الاتجاه الاعظم اسرع من تاثير ايقاع المعوقات وهو ما يُخيف.
ب‌- ان احتمالات اتساع عدم الاستقرار الاسرائيلي مرتبط بتسارع المعوقات الأربعة التي اشرنا لها.
هل ستسير الامور بهذا الاتجاه ،ربما الا إذا تدخلت البجعة السوداء…