العالم العميق للنساء

 

أطلق على نفسي لقب ” سبع أرواح” اقتباساً من قدرة القطط على النجاة غالباً، النساء بنظري امتداد “رمزي” لهذه الفصيلة ليس من وحي التشبيه الجمالي بل بالقدرة على الوقوف بعد السقوط بمرونة فائقة وبخاصية فيزيائية حكر على القطط تُعرف بـ ” منعكس الاستقامة- righting reflex”، إذ توازن القطط أجسادها بطرفة عين قبل أن يكتمل المشهد فتسقط على أقدامها وتكمل المسير نحو الحياة، تاركة من يراها بذهول!

هذه المخلوقات الناعمة، والتي تضرب بها الأمثال، مهما بدت ضعيفة في النهاية لديها آليات دفاعية متنوعة، فمحاصرة القطط ينتهي بحرب الأظافر الطويلة، مدفوعة بعقيدة المباغتة الخاطفة، وهكذا هن النساء، لديهن ترسانة نفسية يُصعب اختراقها، تتعدد فيها التكتيكات والأسلحة لهدف واحد وهو ” الحياة”.

العالم العميق للنساء لا يشبه سطحه، يُمكن تعريفه بهويتين ” الألم والغنوصية”، فاللسع بالألم هو التعميد الدوري للأنوثة، يبدأ من أول طمث ولا ينتهي مع انقطاعه، إذ تدخل أجساد النساء في مرحلة ثانية وهي تعدد الأوجاع، فتخيل أن تخوض حرباً مع كائن بالنسبة له الألم رفيق!
أما الهوية الثانية، فهي عالم غنوصي سري، يؤمن أن الخلاص بتحقيق المهادنة العلنية بينما يُبقي القتال في الدهاليز والأنفاق لا يراها أحد، ويعبر أزماته بذكاء المواربة لا بحدة المواجهة، وهناك، في تلك الطبقات الباطنية، تكمن طقوس الصبر، وحكمة التأجيل، والإيمان بأن البوح الكامل لا يمنح الخلاص بقدر ما يمنحه الكتمان المدروس.

انا وغيري من النساء، متنا وعدنا الى الحياة أمامكم عدة مرات بسبع وتسع وعشرات الأرواح دون أن تشعروا بذلك، نضع الابتسامة ونخوض حروبنا سراً، نُهزم ونَدفن خسائرنا في مقابر الروح ولكننا ننتصر دائماً بالعودة، لأن هويتنا تتشكل حول الإصرار على حماية هدية الله ” الرحم” مصدر الأمومة- الأنوثة، لتستمر الحياة وتجدد دائماً بالولادة وبملئ الكون بلطافة الأطفال. قدرنا هو حماية هذه المسؤولية الكبرى، لهذا نحن لا نقتل أنفسنا، بل نقتل مسببات الموت.