لا يحضر التفكير التآمرى، أو ما يعرف بنظرية المؤامرة، إلا وتُذكر عائلة روتشيلد.. فهى تجسد من يصفه البعض بالحكومة الخفية فى هذا العالم، وهى منتج ومنفذ بروتوكولات حكماء صهيون، التى لا يعرف لها أصل، واختلقها صحفى روسى، كما يقول المحققون فى دراسة اليهودية والصهيونية؛ فهم وراء كل شىء، يقول البعض إنهم كانوا وراء حرائق الغابات فى كاليفورنيا، إلى إسقاط سفينة تايتانيك، وحتى التسبب فى انتشار فيروس كوفيد-19، وكانوا محور التفكير التآمرى. نعم عائلة فى قصر منيف تدير العالم… يا للهول؟! هى التى تخطط وتنفذ كل شىء، هى مختفية لكن أصابعها تظهر فى كل شىء.
يمثل اسم هذه العائلة رمزًا وسحرًا لدى أنصار التفكير التآمرى، كثيرًا ما تُسأل عنه، وتنتشر عنها المعلومات الخطأ، فمنها تاتشر ومنها بريجيت زوجة ماكرون، وهم الصناع الحقيقيون لأغنياء العالم وأثريائه، بل من يضعون خطط حكامه، خدمة لإسرائيل وفقط.
هذه السحرية فى التفكير والتفسير التآمرى، وتخالف الحقيقة والمنطق، وتنفى المسؤولية، وجبرية تُسلم بالاستسلام، فنحن مفعول به دائمًا ولسنا فاعلين ولا قادرين، هكذا دعايات المؤامرة كدعايات الحرب، هالات من المبالغة والتضخيم وتقزمات من العجز.
نعم، هناك مخططات وهناك شبكات… وهناك اختراقات… وهناك استراتيجيات، فالعلاقات الدولية قائمة تمامًا على مبدءى الصراع والمصلحة منذ فجر التاريخ، وليست علاقات فردية نبيلة وجميلة بين فضلاء… فكل دولة تبحث عن مصلحتها الاقتصادية أو مجدها أو الغنائم والجزية والسبى وامتلاك ثروات الآخرين، كما فعل كل قادة التاريخ، من نبوخذ نصر وقورش والإسكندر إلى غيرهم وغيرهم… نابليون، والاستعمار الحديث.
لكن أن يُختصر العالم والقوى الدولية فى أسرة وعائلة اقتصادية، كعائلة روتشيلد الأشهر، وأنهم هم من يديرون العالم، فهذا أمر لا يصح القبول به، أو الركون إليه تمامًا، نعم لا يُنكر تأثير النفوذ الاقتصادى والمالى والكارتلات الكبيرة على قرارات ومسارات الدول، ولكن لا يمكن القول إنه يحركها وحده دائمًا، كما لا يمكن اعتباره الفاعل الوحيد فى مسارها.
أربعة قرون الآن، هى تاريخ عائلة روتشيلد، التى تُنسب إلى الألمانى المولود فى الحى اليهودى، ماير أمشيل روتشيلد (1744-1812) مؤسس هذه العائلة والإمبراطورية الاقتصادية التى وسعها أبناؤه الخمسة، وامتد تأثيرها وفروعها فى لندن وباريس وفيينا ونابولى، مما أحدث ثورة فى التمويل الدولى، وقد امتدت عملياتها من الخدمات المصرفية التجارية والخاصة إلى إدارة الأصول ورأس المال الاستثمارى، بما فى ذلك التأمين وتجارة السلع ومشاريع البنية التحتية مثل قناة السويس، وهى عائلة تؤمن بالتكاتف والتنسيق والاندماج والمصلحة المشتركة، شأن أى عائلة اقتصادية كبيرة، وربما يزيد هذا عمقًا فى عائلة متدينة تؤمن بالجيتو وتنتمى للأقلية
. تكونت ثروات هذه العائلة حسب أغلب الروايات، من أرباحها من تمويل الجيش البريطانى فى الحروب النابليونية، وقد ظلت العائلة متربعة على عرش الأغنى فى العالم حتى الستينيات من القرن الماضى، وواجه بعض أفرادها خسائر فادحة مثل بنيامين دى روتشيلد، الذى توفى عام 2021م. لماذا تمثل هذه العائلة إحدى ركائز التفكير التآمرى فى العالم، وخاصة عالمنا العربى وغير عالمنا العربى كذلك.
