لأن صفقات شراء أنظمة الدفاع الجوي ليست عسكرية وانما هي اتفاق سياسي استراتيجي بين دولة و” محور دولي” وهي من اعقد الصفقات خصوصاً للدول الضبابية في سياستها الخارجية او المترنحة بين القطبيين العالميين ( امريكا او روسيا والصين).
الدفاع الجوي جزء جوهري من العقيدة العسكرية ومن منطق انتشار القواعد والسيطرة الجيوسياسية للدول الكبرى، هذه الأنظمة بعيداً عن صواريخها؛ تشكل نقاط اشتباك استخباراتية وعسكرية حساسة، ولهذا فإن شراءها ليس عملية فنية بل سياسية بامتياز، وغالباً ما تضع الدول الغربية المصدرة شروطاً معقدة تتجاوز الجانب العسكري، لتشمل اتفاقيات سياسية داخلية وخارجية وتغييرات في العقيدة العسكرية للدولة المشترية.
ولو كانت صفقة الدفاع الجوي مجرد صفقة عسكرية -تجارية، لكان من السهل على العراق شراء منظومة متقدمة من سنوات، لكنه حتى عندما كان تحت الوصاية الامريكية التي تبنت نظامه الديمقراطي إلى درجة أن أمواله تمر عبر البنك الفيدرالي الأميركي، إلا ان امريكا لم تمنحه أنظمة “ثاد” او “باتريوت”، بل مُنع كذلك من محاولة شراء المنظومة الروسية S400.
لهذا، فإن الخيارات أمام العراق تظل محصورة بمحور تثق به الولايات المتحدة، مثل فرنسا وكوريا الجنوبية، وهما بالفعل حليفان موثوقان ضمن المنظومة الغربية، لكن السؤال الأهم هو هل سيملك العراق مفاتيح هذه الأنظمة بالكامل؟ حتماً لا، فالأسرار والشفرات ستبقى حكراً سياديا للدول المصنعة، ما يفتح الباب واسعاً للتساؤل حول الأمن السيبراني لهذه الأنظمة وإمكانية اختراقها أو تعطيلها عن بعد.
وهذا يدفعنا للتفكير ان الدول التي تنجو من هذا النوع من الارتهان الاستخباراتي في عصر الاتصالات والذكاء الاصطناعي، هي التي تصنع سلاحها بنفسها، وتملك أسراره بالكامل.
