إيران وإسرائيل: لا حرب ولا سلم، ولا نصر ولا هزيمة

 

إذا كانت الولايات المتحدة وإيران ترغبان في إنهاء الحرب لأسباب عديدة لا يتسع المجال هنا لتفصيلها، فإن نتنياهو يشعر بأنه لم يحقق الأهداف التي خاض من أجلها هذه الحرب، وأن إسرائيل خرجت منها خاسرة استراتيجيا، في حين أن إيران ستلملم جراحها عاجلا أو آجلا، وقد تعود أقوى مما كانت عليه.

إذا كانت إيران قد تلقت ضربات كبيرة ومؤلمة، وتسعى لالتقاط أنفاسها بغض النظر عن تصريحات قادتها، فإنه في الولايات المتحدة أيضا، يبدو أن ترامب — رغم الضغوط القوية التي يتعرض لها من قبل مؤيدي إسرائيل — لا يرغب في خوض حرب طويلة، بسبب الضغوط التي يواجهها من معارضي الحروب الخارجية داخل الدوائر التي دعمته في الانتخابات، بالإضافة إلى رغبته في تسوية القضايا الدولية عبر المفاوضات والضغط، وبأقل كلفة ممكنة. علاوة على ذلك، فإن إطالة أمد هذه الحرب من شأنه أن يشغل الإدارة الأمريكية عن الحرب الروسية الأوكرانية، وعن مواجهة الصين، التي تعد القوة الدولية الأكثر استفادة من انغماس الولايات المتحدة في صراعات إقليمية متعددة.

لذلك، سيحاول نتنياهو أن يفسد اتفاقية وقف إطلاق النار، وسيسعى بكل الوسائل إلى توريط الولايات المتحدة في مواجهة أوسع مع إيران. وأشدد على ”يحاول“، ولا أعني بالضرورة أنه سينجح. فرغم أن ما جرى حتى الآن في الشرق الأوسط (في غزة، وجنوب لبنان، وإيران) يمثل تنفيذا حرفيا لسياسات نتنياهو على المستوى التكتيكي، فإن ذلك لا يعني إطلاقا أن إسرائيل قد حققت انتصارا استراتيجيا.

لم يكن نتنياهو يخطط لحرب شاملة ضد إيران لتحقيق الأهداف المعلن عنها فحسب (إنهاء البرنامج النووي وإسقاط النظام…)، بل أيضا لأن أي حرب واسعة في المنطقة ستكون غطاء له لتحقيقه أهدافه في فلسطين، وعلى رأسها: إبادة أكبر لسكان غزة وإعادة ضم الضفة الغربية.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى يستطيع ترامب أن يقاوم ضغوط اللوبي الإسرائيلي الذي يعيش أزهى أيامه؟ وإلى أي حد يمكنه أن يتنبه إلى ألاعيب نتنياهو وخدعه وفخاخه؟

ما يرجح استمرار صيغة ”لا حرب ولا سلم“ هو أن جميع الأطراف — باستثناء الجناح المتطرف في إسرائيل — لا ترغب في حرب طويلة. فدول المنطقة والقوى الدولية لا تزال منهكة من تبعات جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية…

وهذا معناه باختصار حتى الآن، كما يعبر عنه البعض: إسرائيل لم تنتصر وإيران لم تنهزم.

وأما غزة، فهي عار على الإنسانية جمعاء، وورطة استراتيجية وأخلاقية لإسرائيل وداعميها، والصامتين على إبادة أهلها.