حزب الله في ظلال “الريبة”

رغم مرور قرابة 40 سنة على نشوء حزب الله كتنظيم سياسي ديني مسلح، ورغم أن مساره الكفاحي عرف منحنيات متوالية ، لكن مساره العام كان يشير الى تطور في قدراته واتساع في تأثيره المحلي والاقليمي، وقارع اسرائيل بفعالية لا ينكرها الا التعصب او الخوف على “المكاسب”، وكل ذلك دفع اسرائيل والقوى الغربية بخاصة الولايات المتحدة وقوى عربية الى جعله هدفا استراتيجيا مُلِحاً لها ، والتنسيق المتتالي بين هذه الاطراف لتحطيمه.
ويبدو لي أن الحزب امتطى صهوة “الثقة الذاتية المفرطة ” وتعالى على لؤم خصومه الى حد وصل احيانا الى مستوى الاستهانة ، بل ظن ان خصومه استسلموا لفكرة استعصاء القضاء عليه بالمواجهة المباشرة ، ولم يدرك ان لكل صراع ميادين مضاءة وأخرى يلفها الظلام الدامس، وتحاك فيها الخطط المستعينة بكل ما يتوفر من ذكاء بشري وآخر اصطناعي، وهو ما واجهه الحزب خلال الشهور الاخيرة من عام 2024، حيث اصيب بنكسة كبيرة للغاية بمقتل عدد من صفه الاول ثم بتفجيرات البيجرز التي مست عددا كبيرا من كوادره في مختلف المستويات، الى جانب الحرب النفسية عليه وعلى جمهوره والتي امتصت قدرا غير قليل من صورته التقليدية في ذهن انصاره.
ما حدث للحزب يكشف دون مواربة عن :
أ‌- خرق بشري لا يمكن انكاره سواء في صفقات البيجرز او في التعقب لتحركات قادته
ب‌- خرق تقني جعل قياداته وافراده في متناول خصومه.
ت‌- تزايد ثقة خصومه بشكل جعلهم يبتزونه دون مواربة بضغط سياسي واعلامي وعسكري يطارده في كل مكان.
ث‌- تغير الوضع السياسي في سوريا ، والتثاؤب العراقي خلال الشهور الماضية سواء من الحكومة او الحشد اوالتيار الصدري ، الى جانب وصول ترامب للسلطة والرغبة الايرانية في لجم احتمالات التصاعد في المواجهة
ولعل عددا من المؤشرات الميدانية تشير بشكل قاطع الى ان الحزب “شهد انقلابا” داخليا تجلى في توجهات جديدة تشبه تماما ” سياسات انور السادات تجاه إرث عبد الناصر”، حيث قام بما وصفه الاخوة المصريون بسخريتهم المعهودة ” بالسير على خط عبد الناصر ممسكا بممحاة”.
فالقيادة الانقلابية الجديدة ورغم شعار “انا على العهد” ، وشعار “الا تحلموا بنزع سلاح المقاومة ” تخلت عن استراتيجية الحزب الكبرى ،وهو ما يتضح في المؤشرات التالية::
أ‌- تعهدت القيادة الاولى –نصر الله- بعدم وقف القتال إلا بعد وقفه في غزة ، فسارعت القيادة الجديدة لوقف اطلاق النار بل كانت اسرع من اسرائيل ومن الحكومة اللبنانية في التلميح لهذا الموقف الذي تم تنفيذه وحتى دون تفاوض جدي ورزين .
ب‌- الموافقة على تمرير “تعيين الرئيس عون ورئيس الحكومة سلام” رغم أنهما ” من انتاج المشاورات الأمريكية الخليجية ” ومواقفهما من الصراع العربي الاسرائيلي لا لبس فيها، بينما كان الاعتراض على غيرهما لانهم من انتاج واقتراح نفس القوى، فلماذا تم القبول الجديد؟ ببساطة لانه يتسق مع استراتيجية النهج الانقلابي الجديد .
ت‌- تزايدت في بيانات الحزب اللاحقة للانقلاب عبارة ” هذا من صلاحيات الدولة او الحكومة اللبنانية” بخاصة في موضوعات الخروق الاسرائيلية التي لم تنقطع ، وهو ما يعني ان الحزب بعبارته هذه يعلن ” تحلله من أي التزام عملي بالرد على اسرائيل”.
ث‌- الانسحاب التام من الجنوب وترك كل المرافق العسكرية ليدمرها الجيش الاسرائيلي او ليستخرج الجيش اللبناني ما فيها، رغم ان القيادة الأولى كانت تسخر من طلب الانسحاب من الجنوب ، بل واشارت الى ان انسحاب نهر الليطاني الى الشمال ايسر من انسحاب الحزب .
ج‌- عدم الرد او حتى التهديد بالرد على الملاحقات الاسرائيلية لقياداتهم ومرافقهم مرارا وتكرارا بل وفي قلب الضاحية الجنوبية لا في الجنوب فقط ، مما حول شعار “لقد اعذر من أنذر” الى لقد اعتذر من أنذر.
ح‌- انضمام الحزب في بياناته الاخيرة وبشكل مكرر ومتواصل الى “قطيع الادانة والشجب العربي” للتصرفات الاسرائيلية، وغاب الرد الفعلي بل وغاب التهديد بالرد، ومعلوم ان قيادة الحزب الاولى كانت من اشد الناقدين لهذه المواقف الهادفه فقط “لرفع العتب”.
خ‌- بمتابعتي الحثيثة لطبيعة الاخبار التي تبثها قناة المنار ، يمكن تلمس تغيرا مدروسا في طبيعة الرسالة الاعلامية ، فقد تحولت من المضمون الصراعي التحريضي المباشر ضد العدوان الاسرائيلي الى المضمون الوعظي والعقلانية الملتبسة.
د‌- يلاحظ ان تغطية قناة المنار او بيانات الحزب حول عمليات انصار الله اليمنيين تعكس خجلا متواريا ، فالفعل اليمني فيه “احراج غير مباشر” للحزب بخاصة في رؤية انصار كل من الحزبين‘ إذ ان استمرار انصار الله في عملياتهم اعاد ترتيب قائمة محور المقاومة بقدر يكاد يغيب فيه حزب الله تماما عن القائمة.
فإذا افترضنا ان هذا النهج الجديد سيستمر ، فان التصالح مع خصوم الحزب في كل الدروب قادم ، وان التحول الى ” حزب مدني للرعاية الاجتماعية والخيرية ” قادم ، وسيتم تخطيط الحدود الاسرائيلية اللبنانية وكأن الحزب غير موجود…قطعا كل هذا في حضرة “ربما”.