ماذا بعد تدشين ترامب حروبه التجارية؟

لطالما أعلن ترامب نفسه «رجل التعريفات الجمركية» الجاهز دائماً لفرض رسوم جمركية شاملة على الواردات من البلدان التي تضر بأمريكا.

وأول من أمس، اتخذ الرئيس الأمريكي الخطوة الدرامية الأولى نحو وضع هذه الرؤية موضع التنفيذ – لتحتل بذلك الحروب التجارية والقومية الاقتصادية رأس أجندته في الولاية الثانية.

ومن منتجعه مار إيه لاغو في فلوريدا، أطلق ترامب تعريفات جمركية جديدة عدوانية على الواردات من المكسيك وكندا والصين، بعد يوم من تهديده للاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية عالية.

ويراهن ترامب على أنه يستطيع الضغط على شركاء الولايات المتحدة التجاريين للامتثال لرغبات واشنطن دون إثارة تسارع ضار آخر للتضخم، في وقت تظل فيه تكلفة المعيشة الشغل الشاغل للعديد من الأمريكيين.

وبالنسبة للعالم، فإن خطوة ترامب الافتتاحية بشأن التجارة تعني أن سلسلة من البلدان ستضطر إلى الدخول في مفاوضات شاقة حول كل شيء بدءاً من العجز التجاري وسياسة العملة إلى الهجرة وحتى رغبة أمريكا الجديدة في التوسع الإقليمي.

وقد تهتز الأسواق المالية ويعاني الاقتصاد العالمي جراء ذلك. ويقول إسوار براساد، أستاذ في جامعة كورنيل: «تنذر هذه التعريفات بعصر جديد من الحماية التجارية الأمريكية التي ستؤثر على جميع الشركاء التجاريين لأمريكا وستعطل التجارة الدولية بشكل كبير».

وقال خبراء إن الاقتصادات الأكثر تضرراً ستكون المكسيك وكندا نظراً لاعتمادهما الشديد على الاقتصاد الأمريكي، وسيواجه كلاهما ركوداً صريحاً إذا أبقى ترامب على التعريفات الجمركية بنسبة 25 %. وسوف يتفاقم الضرر بسبب حقيقة أنه قبل أقل من ست سنوات، وقعت تلك الدول اتفاقية تجارية جديدة مع ترامب على أمل أن تعمل على استقرار العلاقات مع الولايات المتحدة.

وقال براد سيتسر، المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأمريكية والذي يعمل الآن في مجلس العلاقات الخارجية: «لا توجد ملاذات آمنة. إن الدولتين اللتين أبرمتا أكبر صفقة تجارية مع دونالد ترامب في ولايته الأولى هما أول دولتين تتعرضان للتعريفات الجمركية». وقال نيل شيرينج، كبير خبراء الاقتصاد في «كابيتال إيكونوميكس»: إن التأثيرات الاقتصادية الكلية ستعتمد على مدى شمول حزمة التعريفات الأمريكية ومدى سرعة فرضها.

ويشير خبراء الاقتصاد إلى أن بعض التأثير يمكن تخفيفه من خلال ارتفاع قيمة الدولار واستبدال السلع الأمريكية المنتجة محلياً، في حين قد تختار الشركات امتصاص بعض الزيادة في التكاليف من خلال هوامش ربح أقل. لكن حجم الخطوات الأولى لترامب بدا أكبر بكثير من الحروب التجارية الأكثر محدودية ضد الصين وحلفاء مجموعة السبع خلال الفترة السابقة له في منصبه.

وقال ريان سويت، كبير خبراء الاقتصاد الأمريكي في «أكسفورد إيكونوميكس»: «قد تكون هذه حرباً تجارية .. كانت الجولة الأولى أكثر استهدافاً. والآن يبدو أنها تسير في جميع المجالات – وأسرع مما كنا نتوقع».

كما قال إيفرت إيسنستات، المستشار الاقتصادي السابق لترامب والذي يعمل الآن في سكواير باتون بوغز: «توقعت أن يتم فرض التعريفات الجمركية بطريقة أكثر تحفظاً. لكن يمكننا القول إن هناك اتجاهاً واحداً هنا وهو يتصاعد». قد تكون التعريفات الجمركية الأولى على المكسيك وكندا والصين مجرد بداية. كان مسؤولو ترامب يفكرون في فرض تعريفات عالمية على جميع الواردات وإضافة الرسوم التي فرضها يوم السبت.

ويرغب ترامب الآن في استخدام التعريفات الجمركية لتوليد الإيرادات لدفع تكاليف تقدر بتريليونات الدولارات من التخفيضات الضريبية، والتي لا يمكن تحقيقها إلا من خلال رسوم باهظة ومدروسة بعناية وقد يكون من الصعب عكسها. وقال بيل رينش من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: «عندما يتعلق الأمر بجمع الإيرادات، إذا كانت التعريفة منخفضة للغاية فلن تجمع أموالاً كافية، وإذا كانت مرتفعة للغاية فسوف توقف التجارة ولن تجني بالتالي أي أموال. إنهم يحتاجون إلى إيجاد النقطة المثالية».

ومع مضاعفة ترامب للتعريفات الجمركية، فإنه يواجه مقاومة ضئيلة من مجموعات الأعمال والجمهوريين المؤيدين للسوق الحرة الذين كانوا يترددون تقليدياً تجاه سياساته الشعبوية وسعوا إلى كبح جماحه في هذا المجال. ورحب جيم ريش، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أيداهو والذي يرأس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بهذه الخطوات.

وقال: «كان الرئيس ترامب دائماً واضحاً للغاية في عدم التسامح إذا رأى أن الأمريكيين يجري استغلالهم». وفي إشارة إلى كندا والمكسيك والصين، أوضح قائلاً: «إن هذه الحكومات تعلم جيداً أنها بحاجة إلى وقف تدفق المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين إلى بلادنا. وكلما أسرعت هذه الدول في القيام بذلك، كان ذلك أفضل».

لكن هناك خطران كبيران يهددان ترامب، فكما يشير نيل شيرينج، هناك احتمالان لارتفاع أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة، الأول عبر موجة بيع تؤدي إلى انخفاض أسواق الأسهم وقيمة خطط التقاعد الأمريكية. والثاني هو أن يرتفع التضخم مرة أخرى بعد انخفاضه تدريجياً نحو هدفه البالغ 2% على مدى العامين ونصف العام الماضيين.

وقال شيرينج إن التدابير التي اقترحها ترامب قد تدفع التضخم الرئيسي في نفقات الاستهلاك الشخصي إلى ما يزيد على 3%، مقارنة بنحو 2.6% الآن. وحذر من أن فرض رسوم باهظة على الاتحاد الأوروبي والصين من شأنه أن يدفع زيادة الأسعار في الولايات المتحدة إلى مستويات أعلى.

وقال جيمس نايتلي، كبير خبراء الاقتصاد الدولي في الولايات المتحدة لدى آي إن جي: «إن هذا سيشكل ضربة كبيرة، خصوصاً بالنسبة للأسر العاملة بما في ذلك الأشخاص الذين صوتوا لصالح ترامب على أساس أنه سيخفض الأسعار».

وأضاف: «المخاطر هي أننا نرى بعض الألم الحقيقي الذي سيطال قطاع الأسر في وقت لاحق من هذا العام، خصوصاً إذا تم التوسع بالتعريفات الجمركية على أوروبا».

وها قد سنحت للديمقراطيين، الذين كانوا يبحثون عن طرق لمهاجمة ترامب في وقت مبكر من ولايته الثانية، الفرصة عبر التركيز على إمكانية ارتفاع التضخم.

وقال رون وايدن، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أوريجون: «إن فرض تعريفات جمركية ضخمة على الغاز والبقالة والهواتف وأجهزة التلفزيون والسيارات يعني أن الأسر الأمريكية العاملة ستدفع المزيد مقابل الأشياء التي تحتاجها.

وهذه التعريفات لا معنى لها إلا كحرب طبقية، مما سيجبر الأمريكيين العاديين على دفع فاتورة جولة أخرى من الإعفاءات الضريبية لترامب وأصدقائه الأثرياء».

وكان ترامب وجد الكثير من الراحة في حقيقة أن التضخم ظل منخفضاً خلال الحروب التجارية في ولايته الأولى. لكن جاي باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، أشار منذ أيام إلى أن الظروف تغيرت مقارنة ببيئة التضخم المنخفضة هيكلياً قبل الوباء.

وقال: «إننا نمر بموقف حيث لم نعد إلى 2 % وهذا مختلف تماماً».

وقال نايتلي إن أحد السيناريوهات القاتمة المحتملة للاقتصاد العالمي هو «صدمة العرض الهائلة»، على غرار الصدمات التي تعرضت لها الاقتصادات خلال جائحة «كوفيد19». وأضاف: «الخطر هو أن يكون هذا مدمراً للغاية، خصوصاً إذا رأينا استجابة كبيرة.

فايننشال تايمز