تمضي معركة الإقليم الأوسط لصالح الجيش السوداني الذي تمكن، السبت، من استرداد مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، وهي ثاني أكبر المدن السودانية وآخر منطقة كبرى كانت خاضعة لسيطرة “«الدعم السريع»” وسط السودان. واقتحم الجيش ود مدني من ثلاثة محاور، جنوبية، شرقية وغربية.
وتكبدت قوات «الدعم السريع» خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، حسب شهود عيان تحدثوا لـ”القدس العربي” قبل أن تقوم قواته المنسحبة من المدينة بإعادة التجمع في بلدتي الحصاحيصا ورفاعة شمالاً وبعض القرى المجاورة.
وواصل الجيش في الجزيرة، أمس الأحد، التحرك صوب تحرير قرى ومدن شمال وشرق الولاية واستطاع تأمين بلدات”أبوحراز، أم شانق، الفعج، الشرفات، دلوت البحر، الرضمة إلى جانب تحرير مدينة تمبول، حتى بات على مقربة من السيطرة على مدينتي الحصاحيصا ورفاعة الاستراتيجيتين.
وتفيد المتابعات بأن حركة انسحاب واسعة تقوم بها قوات «الدعم السريع» نحو مدينة الكاملين شمال الجزيرة ومنطقة شرق النيل في الخرطوم، قالت مصادر محلية لـ”القدس العربي” إن بعض عناصر «الدعم السريع» تركوا سياراتهم القتالية وارتدوا أزياء مدنية، بينما توارى عن الأنظار بعض القادة والضباط المعروفين في الارتكازات والبلدات الممتدة على طول القرى في شرق وشمال الجزيرة.
وقال الناطق الرسمي باسم الجيش، العميد نبيل عبدالله، لـ”القدس العربي”، إن قواتهم مصممة على الاستمرار حتى “تطهير” كل شبر تتواجد به “مرتزقة ميليشيات آل دقلو”. وسخر عبدالله، من تصريحات قائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو “حميدتي” التي قال فيها إن خسارة معركة ود مدني كانت بسبب استعانة الجيش بمرتزقة من التغراي والجبهة الإسلامية لتحرير ارتريا إلى جانب استخدم مسيرات إيرانية حديثة.
وقال عبدالله: “تعود الناس على أكاذيب حميدتي منذ ظهوره في الحياة العامة وهذا ليس بمستغرب عنه إطلاقاً، وجميع العالم يشهد أنه هو من يقوم بجلب المرتزقة من كل مكان يستطيع أن يصل إليه ليغذي حربه هذه التي أشعلها بدافع طمعه وتعطشه للسلطة الذي صور له أن بإمكانه حكم السودان وهو يقتفر لأي مؤهل علمي أو فكري أو أخلاقي يؤهله لذلك”.
وأقر حميدتي عبر تسجيل صوتي نشر على صفحته في تلغرام، مساء السبت، بخسارة معركة ود مدني وفقدان خيرة جنوده وأرجع ذلك إلى استعانة الجيش بالمرتزقة والمسيرات الإيرانية.
وقال إن “الحرب كر وفر خسرنا جولة ولم نخسر المعركة”، مشيراً إلى أنهم ظلوا يقاتلون طوال 21 شهراً وسيقاتلون 20 عاماً قادمة. ودعا جنوده للحفاظ على معنوياتها وإعادة تنظيم صفوفها، لافتاً إلى اتخاذ تدابير للحد من القصف الجوي الذي يستخدمه الجيش في الفترة المقبلة.
إلى ذلك، أطلق قائد «الدعم السريع» الوعيد والتهديد بملاحقة قادة الحركة الإسلامية وفلول النظام السابق “علي كرتي، أسامة عبدالله، وأحمد هارون” زاعماً أنهم يجتمعون في أم درمان ويخططون للحرب، منوهاً إلى أنه قادر على الوصول إليهم في أماكنهم.
واستعرض ضباط من الجيش عبر مقاطع مصورة تظهر مستودعاً للأسلحة والذخائر قالوا إنها إماراتية المنشأ وجدت في إحدى أحياء ود مدني، كما كشف آخرون عن حجم الخسائر التي تكبدتها قوات الدعم في المنطقة، إذ وثقوا عبر مقاطعهم عشرات السيارات القتالية إلى جانب أجهزة تشويش حديثة تركتها “الدعم” خلفها قبل أن تلوذ بالفرار.
وفي سياق متصل، تواصلت لليوم الثاني على التوالي احتفالات الأهالي في شوارع ود مدني، بينما أعلنت لجان مقاومة الشبارقة شرق المدينة عن وصول أول منذ حافلة مواصلات عامة من المنطقة إلى مدينة الفار عبر الطريق القومي الرابط بين “ود مدني والقضارف” من عشرة أشهر.
واستولى «الدعم السريع» في الثامن عشر من ديسمبر/ كانون الأول 2023 على ود مدني لتدخل بعدها ولاية الجزيرة في عهد الدمار والمجازر المتواصلة، حيث دمرت أكثر من 250 قرية وهجر أهلها، بالإضافة إلى سقوط أكثر من 17 ألف قتيل من المدنيين، فيما نزح أكثر من خمسة ملايين مواطن مصدر مسؤول في حكومة الولاية. وبالرغم من التراجع الكبير الذي تشهده «الدعم السريع» في الولاية إلا أن عناصرها لا تزال ترتكب مجازر في حق الأهالي، حيث اتهمتها منصة نداء الوسط بقتل 10 أشخاص إثر هجومها على قرية أم مليحة في محلية الحصاحيصا بولاية الجزيرة. وقالت المنصة في بيان صحافي لها أمس: “إن القوة المهاجمة يرجح أنها من بقايا القوات الهاربة من مدينة ود مدني”.
وتوقع خبراء عسكريون أن يتحرك الجيش بعد سيطرته على “ود مدني” مباشرة نحو الخرطوم لتضييق الخناق على «الدعم السريع»، مشيراً إلى أن خزان جبل أولياء، أقصى جنوب العاصمة، سيكون بؤرة الصراع القادم نسبة لاستخدامه معبراً لخط الإمداد الرئيسي من غرب السودان، وذهب بعضهم بالقول إلى أن الانتصارات المتلاحقة للجيش قد تتسبب في انهيار متسارع للدعم السريع.
وفي سياق التطورات العسكرية، تقدمت قوات من سلاح المدرعات جنوبي الخرطوم نحو مجمع الرواد السكني الذي استطاعت تحريره من قبضة قوات حميدتي وهي تعد من أبرز النقاط الحاكمة التي كانت تمنع الجيش من التقدم شمالاً والالتقاء مع قوات سلاح المهندسين التي عبرت الجسور ـ الفتيحاب والنيل الازرق ـ في منطقة وسط الخرطوم.
ميدانياً أيضاً، اقتحم قوات سلاح المهندسين جامعة أمدرمان الاسلامية التي كانت تتخذها قوات حميدتي مركزاً لقيادة العمليات العسكرية جنوب أمدرمان، كذلك استطاعت قوات أخرى تحرير حي البستان غربي مدينة أمدرمان. أما في الخرطوم بحري، ثالث مدن العاصمة، فقد أفادت مصادر ميدانية لـ”القدس العربي” باندلاع مواجهات عنيفة في أحياء شمبات والصافية، إلى جانب معارك أخرى في الريف الشمالي المحاذية لنهر النيل والقريبة من مصفاة الجيلي الذي يشهد هو الآخر هجمات مكثفة من الناحية الشمالية من قبل قوات الجيش القادمة من الفرقة الثالثة مشاة بمدينة شندي.
غرباً، في مدينة أم كدادة في ولاية شمال دارفور أفشلت قوات المقاومة الشعبية هجوماً من قبل «الدعم السريع» والميليشيات المتحالفة معها وقالت إنها استلمت عدداً من العربات القتالية بكامل عتادها الحربي ودمرت أخرى.
السودان: الجيش يتقدم وسط البلاد وحميدتي يقر بالهزيمة في ود مدني
