في تطور سياسي جديد يشهده لبنان، تم تكليف القاضي نواف سلام تشكيل الحكومة اللبنانية، في خطوة تعكس توجهاً نحو تعزيز استقلالية القضاء ودوره في إدارة الشأن العام. سلام، الذي يُعرف بنزاهته واستقلاليته، يأتي إلى هذا المنصب وسط ترقب واسع من مختلف الأوساط السياسية والشعبية، حيث يُنظر إلى تكليفه كفرصة لإعادة ترتيب الأولويات الوطنية وتحقيق الإصلاحات المطلوبة.
وبينما كانت الآمال معلقة على تشكيل حكومة تعكس روح التجديد وتلبي تطلعات اللبنانيين الذين أنهكتهم الأزمات، جاء تكليف سلام ليعيد الأمل إليهم بغد أفضل. فرئيس الوزراء السابق، نجيب ميقاتي، الذي تولّى رئاسة الحكومة في لبنان منذ العام 2021، لم يشهد عهده سوى سلسلة من الإخفاقات والأزمات التي تراكمت على كاهل الشعب اللبناني.
بدءاً بالأزمة الاقتصادية التي تفاقمت في عهد حكومته، حيث شهدت الليرة اللبنانية انخفاضاً كبيراً في قيمتها، ما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم وزيادة نسب الفقر والبطالة. ورغم محاولات الحكومة التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، إلا أن الشروط القاسية والتباطؤ في تنفيذ الإصلاحات حالت دون تحقيق أي تقدم ملموس.
إنتقالاً إلى أزمة أموال المودعين حيث وجد اللبنانيون أنفسهم عاجزين عن الحصول على مدخراتهم نتيجة القيود الصارمة التي فرضتها المصارف. ورغم وعود الحكومة بمعالجة الأزمة وإعادة الحقوق لأصحابها، ظلت الحلول غائبة، ما زاد من حالة الإحباط وفقدان الثقة في النظام المالي والمصرفي.
أما عن الفساد والمحاصصة السياسية فحدّث ولا حرج. إذ، وبسبب الاستمرار في تعطيل عمل المؤسسات الحكومية لمصالح خاصة على حساب المصلحة العامة، تآكلت مؤسسات الدولة وانعدمت ثقة المواطنين في الحكومة التي فشل رئيسها في وضع حد لهذه الممارسات أو تقديم إصلاحات جذرية تعالج الفساد المستشري في مختلف القطاعات.
كذلك، واجهت حكومة ميقاتي صعوبات في إدارة الأزمات المتلاحقة، مثل أزمة الكهرباء، والوقود، والنفايات، ما زاد من معاناة اللبنانيين. كما أن الاستجابة البطيئة وغير الفعالة للكوارث الطبيعية زادت من حدة الانتقادات الموجهة للحكومة.
هذا وشهدت العلاقات اللبنانية مع الدول العربية والغربية تدهوراً ملحوظاً، حيث فشلت الحكومة في ترميم العلاقات مع دول الخليج، ما أثّر سلباً على الدعم الاقتصادي والسياسي الذي كان يمكن أن يخفف من وطأة الأزمات الداخلية.
وكان الرئيس جوزيف عون قد تعهّد في خطاب القسم بتعزيز سيادة القانون ومكافحة الفساد، وهو ما يتقاطع مع الأهداف التي يحملها القاضي سلام. فالتغيير المنشود يتطلب قيادة جديدة، تمتلك رؤية واضحة وإرادة صادقة لإحداث التحولات الجذرية التي يحتاجها الوطن. وبذلك فإن وجود توافق بين الرئاسة والحكومة قد يسهم في تحقيق تغييرات جذرية، من حيث تنفيذ إصلاحات اقتصادية ووضع خطة إنقاذ اقتصادي تتماشى مع متطلبات صندوق النقد الدولي والدول المانحة، وتأليف حكومة تكنوقراط أو حكومة وحدة وطنية تضم وجوهاً جديدة قادرة على مواجهة التحديات.
إلا أن خطر التعطيل يبقى ماثلاً خاصة مع التباينات السياسية التي تميز المشهد على أرض الواقع، لا سيما من جهة حزب الله الذي بدأ يلوّح بالميثاقية. فهو يواجه تحدياً مزدوجاً في التعامل مع تشكيل حكومة يقودها قاضٍ مستقل، وقد يترقب بحذر أي توجهات قد تؤثر على مصالحه أو تقيّده سياسياً وأمنياً. من هنا يُتوقع أن يتبنى الحزب سياسة المناورة، في محاولة للحفاظ على نفوذه دون الدخول في مواجهة مباشرة مع الحكومة الجديدة.
على أي حال، ورغم الآمال المعلقة على تشكيل الحكومة الجديدة، فإنها لن تكون بمنأى عن المعوقات التي تعترض مسارها. تتراوح هذه التحديات بين ضغوط القوى السياسية التقليدية، التي يمكن أن تعرقل تنفيذ الإصلاحات الجذرية (وهو ما عبّرت عنه بعض الكتل السياسية أثناء لقاءات التشاور مع رئيس الجمهورية) وبين التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تتطلب حلولاً عاجلة. أضف إلى ذلك، التدخلات الخارجية التي طالما أثرت في القرار اللبناني الداخلي.
الآمال الكبيرة معقودة اليوم على القاضي سلام، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها اللبنانيون. ومع ذلك، يبقى التساؤل مطروحاً حول قدرة الحكومة التي ستشكّل على تلبية تطلعات الشعب وتحقيق التغيير المنشود. فهل ستكون هذه الحكومة بارقة أمل جديدة أم إحباطاً آخر يضاف إلى سلسلة الإخفاقات السابقة؟
بانتظار التشكيل والبيان الوزاري وخارطة الطريق لتنفيذه، يقف لبنان على مفترق طرق جديد، حيث يبقى أمل الشعب مرهوناً بقدرة القادة الجدد على ترجمة وعودهم إلى أفعال.