تعتبر سقوط حكومة الأسد نقطة التحول الكبير في تاريخ سوريا، حيث فيها الكثيرون من الفرص لإعادة تشكيل الصورة الدولية الجديدة وترتيب النظام الاجتماعي. وقد وضع الشعب آمالا كبيرة على حكومة تصريف الأعمال، متطلعين إلى تحقيق السلام والتنمية للبلاد. ومع ذلك، أثارت مؤخرًا أخبار عن خطة وزارة التربية والتعليم السورية الجديدة لإجراء تعديلات على المناهج الدراسية نقاشًا واسعًا وقلق متزايد.
تركّز هذه التعديلات بشكل رئيسي على الكتب المدرسية في مجال التاريخ والدين والعلوم من المدرسة الابتدائية والثانوية.ووفقًا للمعلومات التي أعلنتها وزارة التربية والتعليم، فإن خطة تعديل المناهج تشمل النقاط التالية: حذف محتوى يتعلق بتاريخ عائلة الأسد، حذف محتوى يتعلق بالنساء، والحب، وتاريخ تطور الإنسان، وتخفيف التركيز على مفهومي “سوريا” و”العروبة” بلتعزيز المفهوم الديني “الإسلام”. وقد أثار هذا الإعلان قلقاواسعًا. وبعد يوم، أوضحت الوزارة أن المرحلة الحالية “فقط حذف ما يتعلق بما يمجد نظام الأسد البائد، والمناهج الدراسية ما زالت على وضعها حتى تشكّل لجان اختصاصية لمراجعها وتدقيقها“.
مع أن النية وراء هذه الإصلاحات قد تكون التخلص من الأعباء التاريخية لنظام الأسد، ولكن هذا التغيير يكشف عن قضايا أعمق. يهدف حذف محتوى يتعلق بتاريخ عائلة الأسد إلى رسم خط فاصل مع النظام السابق، لكن هل يمكن أن يؤدي ذلك إلى إضعاف الطلاب الفهم الشامل لخمسين عامًا من تاريخ البلاد؟ حكمت عائلة الأسد سوريا لأكثر من خمسين عامًا، وكان نهجها في القومية العربية جزءًا مهمًا من السياسة الإقليمية. إن إزالة هذه الفترة من المناهج الدراسية قد يؤدي ليس فقط إلى طمس الذاكرة التاريخية، بل أيضًا إلى حرمان الطلاب من فرصة التفكير النقدي في تجارب ودروس تلك الحقبة.
قد تسعى الكتب المدرسية إلى التخفيف مفهومي “سوريا” و”العربية”، وتعزيز الهوية بمفهوم “الإسلام”، مما قد يؤثر على تشكيل الهوية الوطنية. سوريا مجتمع متعدد الأديان والأعراق.وقد يؤدي التركيز المفرط على هوية دينية واحدة إلى تعزيزالانقسامات الاجتماعية بشكل غير مقصود.
إنّ التعليم هو أساس في إعداد الأكفاء وحجر الزاوية في تطوير الدولة، وليس مجرد أداة سياسية. ليست المناهج الدراسية والكتب المدرسية فقط وسيلة لنقل المعرفة، بل هي أيضًا أدوات مهمة لتشكيل قيم الطلاب. إذا كانت الإصلاحات من الحكومة الجديدة تفتقر إلى إعادة تقديم التاريخ الحقيقي واحترام المجتمع المتعدد، فقد تضعف الوظيفة الأساسية للتعليم، بل قد تزرع بذور التوترات الاجتماعية في المستقبل.
في الختام، على الرغم أن تعديلات المناهج الدراسية السورية تهدف إلى إدخال عناصر جديدة في السرد الوطني، ولكن كيفية تحقيق التوازن بين الحقيقة التاريخية، والتنوع الاجتماعي، ووظيفة التعليم، تظل المسألة الأساسية. في دولة حديثة متعددة الأعراق، يجب أن يكون هدف التعليم هو تدريب مواطنين منفتحين، عقلانيين وذوي تفكير نقدي، وليس تعديل التاريخ وفقًا لأغراض سياسية. فقط من خلال ذلك، يمكن لسوريا أن تتقدم نحو السلام والتنمية.