حُقوق الإنسان في دولة سوريا الحديثة

ترتكزُ حقوق الإنسان على توضيح القوانين والمعاهدات الدولية التي تحمي حقوق الشعوب والأفراد وتحترم كينونتهم وإنسانيتهم، تلكَ الحُقوق التي شهدت تطوراً ملحوظاً عبر الأزمنة والعُصور وهي تطالُ كلَّ فردٍ في المُجتمع شاملةًكرامته وحُريته الفكرية والدينية والعقائدية وغيرها. كما تُعتبر من القيم العالمية التي يجب احترامها وتعزيزها بشكلٍ مُستمرٍ على اعتبار أنّها مُنبثقة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي استمدّ قيمته الأدبية من اعتراف كل دول العالم به، والذي تبنّته الأُمم المُتّحدة واعتبرت الالتزام به يُعزز من قيمة الدولة في المُجتمع الدُولي .

حقوق الإنسان في عهد النظام البائد:

في سوريا في ظلِّ نظام الأسد المخلوع شهدت حقوق الإنسان انتهاكات واسعة وخطيرة وخاصةً بعد اندلاع الثورة السورية في سنة 2011 طالت الحقوق الأساسية من حريّة التعبير حيثُ شهدَ الشارع السوري سياسة كمّ الأفواهواعتقالات واسعة النطاق طالت مُعارضي النظام وأفراد التجمّعات السلمية التي كان يُقابها النظام بالحديد والنار، كما أنَّ الاعتقال التعسّفي طال نسبةً كبيرةً من الشباب والشّابات لأقل الأسباب شأناً في سوريا، ففي سوريا كانت الشعار فقط ” الأسد أو نحرق البلد” والأقليات كانت لها مُعاناة واسعة مع هذا النظام، وأكثر من ذلك المُعتقلين في سجون نظام أسد المخلوع كانوا يشهدون أبشع أنواع التعذيب منتهكين بذلك أبسط حقوقهم فلا محاكم واضحة ولا بيئة آمنة ولا صحية في أماكن الاعتقالات بل على العكس تماماً شهدت سوريا في زمنهم أبشع طرق الموت والتفنّن في التعذيب في أقبية السجون ليسجّل التاريخ والمُنظّمات الحقوقية أعلى نسبة انتهاكات لحقوق الإنسان في زمن هذا الحكم الزائل.

حقوق الإنسان ما بعد نجاح الثورة السورية :

ننظرُ إلى مستقبل سوريا بشكلٍ مُشرقٍ وأن تكون سوريا الحديثة قائمة على العمل المؤسساتي الحديث الذي يتربع على عرش أولوياته احترام حقوق الإنسان بكافة أصنافه ويكون ذلك وفق ما يلي:

• الدستور الجديد : ينبغي أن يعكس الدستور الجديد المُرتقب في سوريا احتراماً شاملاً لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للمواطنين، فلا خوف من سلطة حاكمة ولا كمّ للأفواه ولا انتهاكات للأقليات ولا حصر للشأن العام والوظائف بيد فئة مُعينة، ويتجسّدُ ذلك بقضاءٍ مستقلٍ نزيه يعمل على مُحاسبة مُنتهكي هذه الحقوق ويكون ضمانةً أساسية للشعب في مُمارسة حقوقهم .
• إنشاء هيئات ومراكز مُستقلة لحماية حقوق الإنسان: سواءً تابعة لجهاز الدولة أو على مُستوى القطّاع المدني سعياً في نشر ثقافة حقوق الإنسان وتوعية الشعوب التي لم يسمح لها النظام السابق بالتعرّف على حقوقهم أصلاً، وكانت حقوق الإنسان بالنسبة لهم شعارات فحسب يتم سماعها وقراءتها، كما يتمثل الدور الأساسي في تعزيز حقوق المرأة والطفل وحمايتهم من الاستغلال والعنف في مجتمعاتنا، فأمام مثل هذه المراكز شأن واسع وكبير في نشر ثقافة حقوق الإنسان بين مختلف شرائح المُجتمع السوري.
• نشر ثقافة حقوق الإنسان في أوساط المُجتمع السوري من خلال المنظومة التعليمية المُتمثّلة في وزارة التربية والتعليم السورية لتصل إلى كافة التلاميذ في مدارسهم الخاصة والحكومية. وليس ذلك بمستحيل فالنظام التعليمي الحديث يُدرك جيداً أنّ مادة حقوق الإنسان يتم اعتمادها في الدول التي تحترم شعوبها وتقدّس حقوقهم الأساسية .
• إنشاء مراكز لرصد انتهاكات حقوق الإنسان في الداخل السوري ووضع آليات واضحة للمُساءلة والمُحاسبة مع الجهاز القضائي المُختص، فمهمّة رصد انتهاك الحقوق لها درجة من الأهمية تتمثل في توثيق الانتهاك والدفاع عن الحق من خلال أجهزة القضاء النزيهة المؤمنة بهذه الحقوق.
• التعاون الدولي: من المُهم جداً على دولة سوريا الحديثة التعاون مع المجتمع الدولي لتعزيز حقوق الإنسان والتصدّي للمشاكل والتحدّيات العابرة للحدود وتنشيط المؤتمرات الدولية المُدافعة عن ذلك وسوريا اليوم بيئةً خصبةً لذلك فشعبها بأشد الحاجة لتعزيز حقوقهم التي كانت مدفونة مع النظام السابق.
• الحرية المُطلقة في التعبير وحرية الصحافة وتحديداً الصحافة الاستقصائية : فيكون على الدولة حماية حرية التعبير السلمي وحرية العمل الصحافي والقائمين عليه وفق الأصول لتعزيز النقاش والحوار والشفافية في مُعالجة إشكاليات مُجتمعاتنا وما أكثرها بعد زوال النظام الزائل . وفي هذه الخطوة يتربع على عرش الأوليات تشكيل منصّات إعلامية مُستحدثة وفق أحدث الأجهزة المواكبة للعصر واستقطاب الإعلاميين المرموقين وأهل الاختصاص لانخراطهم في نسيج المجتمع السوري وايصال صوتهم وآرائهم وحاجاتهم ومتابعة من يقمعهم ومن يحجب عنهم ما سُلب منهم في السنوات السابقة.

ثمرة حقوق الإنسان سوريا الحديثة :

ان التزام مؤسسات سوريا الحديثة بمبادئ حقوق الإنسان يقدّم الضمانات التالية:

1- تحقيق العدالة الاجتماعية: من خلال احترام حقوق الإنسان ومساءلة ومُحاسبة مُنتهكيها يُعزز الإنصاف بين أوساط المُجتمع بما يضمن حياة كريمة للجميع وتحديداً الأقليات العرقية والدينية، والمعوّل عليه بالدرجة الأولى القضاء النزيه التي يؤمن بقداسة حقوق الإنسان.
2- تحقيق الاستقرار السياسي: لأّن ضمان حقوق الإنسان يُسهم بشكل فعّال في خلق بيئة سياسية مُستقرّة ويُشعر المواطنين أنّ حقوقهم محمية بموجب الدستور ولديهم وسائل قانونية للمُطالبة بها أو مُحاسبة منتهكيها وهذا ما يعسك بيئة سياسية آمنة في المجتمع السوري.
3- تحقيق التكافؤ الاجتماعي والسياسي: على اعتبار أنّ من صلب حقوق الإنسان المُشاركة الاجتماعية والانضمام للنقابات والتكتّلات الحزبية التي تضمن مُشاركة الجميع في المُجتمع السوري وألا تكون حكراً على أحد، هذا ما يخلق جو حقيقي في الاندماج في المُجتمع وتشاركية الجميع في الآراء وإدارة شؤون البلاد ويخلق جواً من النجاح المبني على المشاركة الجماعية لكافة شرائح المُجتمع السوري.
4- تحقيق التنمية البشرية وتعزيز الثقة مع الحكومة: لأنَّ حقوق الإنسان تدعم الوصول الى التعليم والرعاية الصحية والسكن اللائق والحفاظ على كرامة الإنسان وحرية فكره واعتداله، الأمر الذي يُعزّز ثقة المواطن بحكومته التي تُدير شؤون البلاد وتفتح باب التعاون معها سعياً في تحقيق الأهداف الوطنية المُشتركة .
5- حماية الأقليات والفئات الضعيفة: لعلّ من أبرز ثِمار حقوق الإنسان هو حماية الأقليات في المجتمع السوري، فالأكراد والآشوريون والأرمن والتركمان والشركس والدروز والأيزيديون والمسيحيون هم أقليات في سوريا وهم من أبناء النسيج الاجتماعي وبالتالي فإن حقوق الإنسان هي الأداة الوحيدة الفاعلة التي تضمن لهم أن يكونوا جزءاً لا يتجزأ من المُجتمع السوري والدولة السورية أيضاً .

 

الخُلاصة :

حقوق الإنسان ليست بشعارات وليست بهُتافات يُنادى بها في المحافل الدولية فحسب، وإنما هي مبادئ ومُرتكزات في التشريعات القانونية لنجاح أي دولة، وعلى اعتبار أنّ سوريا الحديثة تضعُ ركائزها في بناء نفسها من جديد فمن الصواب أن تقوم هذه الدولة على احترام مُطلق لحقوق الإنسان بكافة أجياله وصولاً لحق الانسان السوري في الحياة ضمن بيئةٍ آمنةٍ خاليةٍ من النزاعات بما يضمن النُهوض بهذا البلد الذي ذاق الويلات على مدار خمسون عاماً.