إن الردع بمفهومه التقليدي يعني تقديم أدلة للعدو عن توفر المقدرة الثأرية التي تكفل معاقبته بشدة عن أي اتجاه من ناحيته لأثارة الحرب لتحقيق هدف، أو كسب معين على حساب الدولة الرادعة، أو كما قال (توماس شيللنج) فإن الردع هو براعة عدم استعمال القوة العسكرية.
أما في الحرب الهجينة فإن اقوى رادع لهذهَ الحرب في داخل الدولة هو انشاء حراسة حضارية بحيث يشعر أعضاء المجتمع الى حد كبير بالانتماء لشي اكبر من ذواتهم وينظرون الى حكومتهم على انها موافقة لهذا المفهوم الفوق وطني الأكبر، فسيقل وقتها احتمال مشاركتهم في نشاط تخريبي ضدهم، ففي الواقع يمكن أن يؤدي الترويج القوي للافكار الوطنية من قبل الدولة والمنظمات غير الحكومية التابعة لها الى خلق عقل جمعي مؤيد للحكومة في نهاية المطاف، فيمكن ان ينخرط الشعب في اسراب مضادة ضد أي متمردين مناهضين للحكومة.
ومن هنا يعد الردع الهجين: مفهوم استراتيجي حديثعكس تحولًا في طبيعة التهديدات الدولية وأدوات المواجهة، يشير إلى استخدام مجموعة متنوعة من الأدوات والأساليب التقليدية وغير التقليدية لردع الخصوم، إذ يدمج هذا النهج بين الأساليب العسكرية، والاقتصادية، والسيبرانية، والدبلوماسية، والإعلامية، ويستهدف نقاط الضعف في بنية الدولة أو المجتمع المستهدف.
وكأجراء احترازي أيضاً يوصى كذلك بإنشاء شبكات انترنيت وطنية (منحصرة داخل الدولة)، لأن هذا الاجراء يسعى فقط الى التأكد من ان الدولة تستطيع رصد الانترنيت وتحديد مصدر نشوء بعض المعلومات التي تدخل البلاد، وبالطبع موضوع الرقابة امر طموح للغاية يمكن في بعض الحالات كالصين ان يأخذ شكل الرقابة الفعلية واللوائح السوداء، إذ يجب ان يكون هناك دفع قوي من جانب الدولة لتشجيع تأميم وسائل التواصل الاجتماعي والانترنيت من قبل مواطنيها.
فضلاً عن ذلك تعد عمليات الردع في مجال الحرب الهجينة من نواحٍ عدة مسألة أشد تعقيداً بكثير من عمليات الردع فيالحرب الباردة، وطبيعة هذه الحرب هي السبب في ذلك،وحتى نظريات الردع النووية التي تعد من أشد وأذكىالنظريات ستبدو غير مرضية في المواجهة مع تعقيدات هذاالمجال، والذي يشمل عددا لا نهائي من المقدرة والعناصروالمحركات والحوافز المتغيرة بصورة مستمر تخلق تهديداتومشاكل حقيقية متزايدة، إذ يجب على جميع الجهات أنتعمل من أجل توفير مقدرة رد على مثل هذه الهجمات، ولعل أبرز الامثلة على استخدام الردع الهجين في تتمثل في الكثير من الأزمات والصراعات الدولية أبرزها:
– روسيا وأزمة أوكرانيا (2014-2022): استخدمت روسيا تكتيكات الحرب الهجينة، مثل دعم الجماعات الانفصالية في شرق أوكرانيا، والهجمات السيبرانية على شبكات الطاقة والبنوك، فضلاً عن لحملات الإعلامية والدعاية المضللة عبر الإنترنت.
– الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران:اعتمد الطرفان على أدوات هجينة، إذ استخدمت إيران وكلاء غير حكوميين (كالجماعات المسلحة) والهجمات السيبرانية، في حين لجأت الولايات المتحدة إلى العقوبات الاقتصادية والضغوط الدبلوماسية.
– الحروب السيبرانية بين الدول: الهجمات السيبرانية المتبادلة بين دول مثل الصين والولايات المتحدة تستهدف الشركات الكبرى والبنية التحتية الحيوية، وهي جزء من الردع الهجين الذي يسعى إلى تعطيل الأنظمة دون استخدام الأسلحة التقليدية.
وبناءً على ما سبق يتضح هناك ضروريات رئيسة في مجال الردع الهجين لهزيمة التهديدات الهجينة تعداستراتيجيات لمواجهة الردع الهجين وهي كالإتي:-
1- تحصين البنية التحتية الحيوية: الحرب الهجينة مصممة لاستغلال نقاط الضعف لدى الدول، لذا فأقل ما يمكن للحكومات عمله هو اجراء تقيم ذاتي للوظائف الحساسة ونقاط الضعف في كل القطاعات واصلاحها بانتظام من خلال حماية شبكات الطاقة، الاتصالات، والخدمات المالية من الهجمات السيبرانية.
2- بناء قدرات الردع المتعدد: أن للحرب الهجينة وسائل قوة عسكرية واقتصادية وسياسية واجتماعيةواعلامية منسَّقة يمتد تأثيرها خارج نطاق المجالالعسكري، لذا يجب على الجهود الدولية أن تحسّن مننشاط تقييم المخاطر التقليدية لتشمل الأدوات والقدراتالسياسية والاقتصادية والاجتماعية الدولية وغيرالتقليدية، ولا بد أن يأخذ هذا التحليل بعين الاعتباركيفية صياغة هذه الوسائل بشكل حزمة هجوم متزامنمناسب لنقاط ضعف محددة في الهدف وذلك عبراعتماد استراتيجيات ردع شاملة تشمل القوة العسكرية، الردع السيبراني، والردع الاقتصادي.
3- الحفاظ على الإرادة لمواصلة القتال هو اعتبار أساسي.
4- تعزيز القدرات السيبرانية: تطوير أنظمة دفاع سيبراني قادرة على كشف وردع الهجمات الإلكترونية بسرعة وفعالية.
5- القيادة: بما أن الحرب الهجينة متزامنة ومنتظمة فالردعليها يجب أن يكون متزامناً ومنتظماً، والحكومات يجبأن ترسّخ عملية لقيادة وتنسيق نهج وطني للتقييمالذاتي وتحليل المخاطر، ويجب أن توجِّه هذه العمليةالجهود الشاملة التي تهدف لفهم التهديدات الهجينةوالكشف عنها والاستجابة لها، فالقيادة ضرورية للنصر في الحروب الهجينة، إذ تتطلب الصراعات الهجينة قيادة قوية واتخاذ قرارات مستنيرة،واستراتيجيات شاملة التي تمكن من تطبيق جميع جوانب سلطة الدولة للتوصل الى حل مناسب للنزاع.
6- التحالفات والشراكات: التعاون مع الحلفاء الدوليين لمواجهة التهديدات الهجينة، كما تفعل دول الناتو التي طورت استراتيجيات دفاع مشترك ضد الهجمات الهجينة، إذ أن إقامة التحالفات يمكنها من متابعة الحرب ضد هجوم هجين.
7- الاستعداد الإعلامي والمعلوماتي: عبر مكافحة المعلومات المضللة من خلال تعزيز الوعي المجتمعي وتطوير منصات إعلامية موثوقة؛ لأن تهديدات الحربالهجينة قضية عالمية والرد عليها يجب أن يكون عالمياًأيضاً، والحكومات يجب أن تنسّق نهجاً متماسكاً فيمابينها لفهم والكشف والرد على الحرب الهجينةلمصالحها الجماعية، ويجب تطوير الأطر المتعددةالجنسيات ويفضل استخدام المؤسسات والآلياتالموجودة لتسهيل التعاون والتنسيق عبر الحدود.
8- كسر المنطق الراسخ لدى العدو الهجين، أكثر من التركيز على القضاء المادي على قواته، إذ يجب أن يتمتعطيل منطق العدو الهجين وفق الصيغ الحربية التييستخدمها، أكثر من التركيز على الطرق المادية لمواجهةوسائل وإمكانيات التهديدات الهجينة.
9- أن النهج العملي الناجح في الردع الهجين يجب أنيجمع بين النجاح التكتيكي والأهداف الاستراتيجيةفي نفس الظروف التي أدت الى ظهور تهديد هجين،وعلى سبيل المثال بتحليل عملية تحرير العراق اتضح أن نهج العمليات الناجح يجب أن يتناول العواملالكامنة التي لها دور في تسريع نشاط التهديدالهجين، ويجب أن يرتّب أعمالا هجومية تكتيكية فينفس الأطر الثقافية والاجتماعية والايديولوجيةوالسياسية وغيرها من الأطر المرجعية التي تحافظ علىنجاح العدو الهجين.
10- لنهج عملي ناجح في الحرب الهجينة فأن هؤلاء الذينيقاتلون العدو الهجين يجب أن يتجنبوا الإجراءات الجاهزة أو الموحّدة في الزمان والمكان، فبما أن سياقبيئة التهديد الهجين يشكّل نظاماً معقّداً بخصائصمعينة تتغير باستمرار حسب الزمان والمكان، فالمنهج العملي لا يمكنه ببساطة إعطاء القادة تقديرات بسببتعقيد المشكلة، وفي نفس الوقت لا يمكنه القفز فوقهذه المشكلات، وبدلاً من هذا يجب أن يوازن المنهجالتشغيلي بين الإرشادات العامة والتوجيهات العقائديةوحرية القادة تكتيكياً لتطوير المواقف المفصليةوالاجراءات الداخلية للنجاح.
وعليه، لقد بات واضحاً تمام الوضوح من الصعوبة تحقيق الردع الهجين بشكل كبير، بيد أن من المهم أن نضعجداول أولويات على هذا الصعيد، وتحديد أفضل الطرقلمواجهة التهديدات التي تنجم عن الحرب الهجينة، ورغمالجدل الحثيث الدائر، إلا أن إمكانية بلورة حل شاملوموحد لا زالت بعيدة، ويرجع السبب في ذلك إلى حد كبيرللطبيعة المعقدة والشاملة لعملية الردع الهجين، والذييتطلب حلولاً شاملة ومبلورة تشمل جهات ذات اختصاص واهتمام في القطاعات العامة والخاصة في آن واحد.
ومن أجل تحقيق ردع هجين فعال تقترح الباحثة إطارعمل يدرس ويمحص القضية بصورة ترمي للتصدي،ولردع ومنع وإخضاع الجهات المعادية والسياسية وغيرالسياسية في آن واحد، وتعد بمثابة نقطة انطلاقلتشخيص المسؤولين وانتماءاتهم للعمليات المعادية التيتجري ضد دولة معينة أو ضد حلفائها، وإن هذا الوضعسيتيح الفرصة للاعبين ذوي العلاقة – والذين تحولوا إلىهدف للجهات المعادية – لمواصلة العمل والنقاشاتالضرورية من أجل التخطيط والتنفيذ لتطوير وسائل ردفعالة ومناسبة، وهناك ميزة أخرى لهذه الفكرة وهي تقديمالمساعدة في تشخيص مجالات التعاون بين الجهات التيتتعرض للهجمات الهجينة والتي يمكنها أن تكون مجديةبالنسبة لها ،أو على الأقل تكون في حاجة إليها.
وفي الختام يمكن القول أن الردع الهجين أو الغامض مفهوم استراتيجي معقد فمع تزايد النزاعات الدولية أصبح هذا النوع من الردع أداة مفضلة لدى القوى الكبرى، فهو يمكنها استخدام هذه الأساليب دون الانخراط في حروب مباشرة.
باحثة وأكاديمية عراقية
الجامعة المستنصرية/ كلية العلوم السياسية