ولاية ترامب الثانية: فرصة لتعزيز المصالح أم تحدي للدبلوماسية المغربية؟

مع عودة دونالد ترامب إلى السلطة، يبدو أن تاريخ العلاقات الأمريكية المغربية على وشك كتابة فصل جديد. في ظل هذه التطورات، تُثار جملة من التساؤلات حول مصير العلاقة بين البلدين: هل ستكون هذه العهدة فرصةً لتعزيز المكاسب واستمرار ما تحقق سابقًا، أم أنها ستفتح فوهة من التحديات قد تُلزم المملكة بمراجعة أولويّاتها؟
لا شك أن إحدى أهم الفرص التي قد تحملها عودة ترامب تتمثل في تعزيز الموقف المغربي بخصوص قضية الصحراء. فخلال ولايته السابقة، اعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وهو تطور شكّل علامة فارقة في مسار النزاع. جاء هذا الاعتراف في إطاراتفاقية أبرهام التي تضمنت أيضا تأسيس صندوق استثماري بين البلدين، وصفقة للطائرات المسيرة، وتطبيع العلاقات بين المغرب واسرائيل، ثم فتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة. بناءاً على هذا، قد تعتبرعودة ترامب إلى البيت الأبيض تمهيداً للطريق أمام المملكة المغربية وتعزيزاً لموقعها التفاوضي في الساحة الإقليمية، والدولية، والأممية، وقد تدفع بها نحو تسوية نهائية تُرسِّخ مقترح “الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية”.
أما في اطار استراتيجية المغرب للتصنيع العسكري المحلي، فبعودة ترامب قد تتمكن الرباط من الحصول على أسلحة استراتيجية في المجال الجوي كما جاء في اتفاقية أبرهام. بحيث سيتمكن المغرب من توطين صناعة الطائرات العسكرية وتعزيز قدراته الدفاعية.
على المستوى الاقتصادي، قد تَفتح سياسات ترامب؛ التي تميل إلى التركيز على التعاون مع الحلفاء الموثوقين، المجال أمام فرص استثمارية واسعة النطاق. إذ أن البنية التحتية المتطورة للمغرب واستقراره السياسي يجعلان منه وجهة للاستثمارات الأمريكية، خاصة في قطاعات حيوية كالصناعات التحويلية والطاقات المتجددة. علاوة على ذلك، نجد أن الحضور الأمريكي بافريقيا ضعيف مقارنة بالصين التي تتجاوز خمس أضعاف الاستثمارات الأمريكية. وباعتبار الحضور المغربي القوي بالقارة من خلال المبادرات والمشاريع التنموية واسعة النطاق، فإن هذا الوضع يعزز من مكانة المغرب كبوابة استراتيجية للولايات المتحدة نحو إفريقيا.
لكن مع الفرص تأتي التحديات، فتحركات ترامب بشأن قانون خفض التضخم قد تؤثر سلباً على الاقتصاد المغربي. مع تطبيق هذا القانون، توجهت الشركات الصينية نحو الاستثمار في المغرب، بغرض الحفاظ على الوصول إلى الأسواق الأمريكية. وبالتالي فإسقاط قانون خفض التضخم سيضرّ بالمصالح المغربية مباشرة. اضافة الى ذلك، فإن السياسات الحمائية الأخرى التي انتهجها ترامب خلال ولايته السابقة ستكون لها تداعيات على الاقتصاد العالمي. هذه التداعيات قد تنعكس على الاقتصاد المغربي، لا سيما في مجالات الصادرات والتدفقات الاستثمارية، مما يفرض على المملكة تعزيز قدراتها الذاتية وتنويع شركائها الاقتصاديين.
أما على الصعيد الجيوسياسي، قد تضع السياسة الخارجية لترامب؛ المعروفة بتقلبها وارتكازها على مبدأ “أمريكا أولاً”، الدبلوماسية المغربية أمام اختبارات صعبة، ستتطلب من المغرب مرونة كبيرة في استراتيجياته التفاوضية وإدارة حنكة للعلاقات الثنائية. إن توجهات ترامب الحادة اتجاه بعض القضايا الدولية قد تزيد من التوترات في مناطق حساسة، مما قد يضع المغرب في موقف دبلوماسي معقد. فالموازنة بين الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع الولايات المتحدة واستمرار التنسيق مع شركائه الإقليميين والدوليين ستتطلب سياسة خارجية متوازنة ورؤية استشرافية صحيحة.
في ضوء هذه التحديات والفرص، تبدو الحاجة ملحة إلى تبني المغرب استراتيجية متكاملة تجمع بين الاستفادة من مكامن القوة ومواجهة نقاط الضعف. مما يدفع المغرب للتحلي بالواقعية السياسية لتوسيع دائرة المكاسب وخلق هوامش المناورة والتحرك على المستوى الديبلوماسي، وذلك لن يأتي إلا من خلال أوراق جديدة ورابحة للتفاوض. نجاح المغرب في استثمار هذه اللحظة التاريخية يعتمد على قدرته على التكيف السريع مع المستجدات الدولية وتوظيفها لصالح تحقيق أهدافه الاستراتيجية وتعزيز مكانته كفاعل رئيسي في النظام الإقليمي والدولي. أما بخصوص ملف الصحراء، من وجهة نظر تفاؤلية، يعتبر ترامب الرجل المناسب في الظرفية الراهنة لإدارة وتدبير تعقيدات الملف وكسب مساحات جديدة في ظل الزخم الدولي الداعم للمملكة.مريم مروان