لا حل إلا بالدولة

لبنان يمر حاليًا بلحظة تاريخية فارقة تفرض تحديات تأسيسية غير مسبوقة، تحديات لا تحتمل ترف إضاعة الوقت.
بعد حرب إسرائيلية اجرامية كانت الأشد قسوة في تاريخه الحديث. والخسائر البشرية الجسيمة، والتدمير الواسع الذي طال قرى ومدناً بأكملها، وتهجير لمئات الآلاف من شعبه.

و في سورية انهار تأبيد الاستبداد والمقابر والسجون، نظام القمع والتهريب والاغتيالات. اليوم ورغم كل التحديات والصعوبات، نتوجه بالتهنئة للشعب السوري على اسقاط نظام الدكتاتور، آملين أن يفتح هذا التحول الباب أمام بناء سوريا الجديدة وكذلك إعادة بناء علاقات بين البلدين، قائمة على الشراكة والاحترام المتبادل لسيادة واستقلال كل من البلدين.
يدخل لبنان الآن عامه الخامس من الأزمة الاقتصادية والمالية، دون معالجة جذرية. أمامنا سلطة سياسية تشكلت من تحالفات الميليشيات والمافيات، عرقلت أي إصلاحات جدية، وعطلت المحاسبة، وكرست ثقافة الإفلات من العقاب، واجهزت على أي دور للقضاء، من الجرائم المالية، الاغتيالات السياسية، التدخل المباشر لتعطيل ملف التحقيق بانفجار 4 آب وتهديد المحقق العدلي لا زال حاضراً في الاذهان.
هذه اللحظة التاريخية تتطلب شجاعة سياسية وقرارات مصيرية تعيد للبنان موقعه كدولة ذات سيادة كاملة. إن بقاء النظام السياسي والاقتصادي الحالي ليس خيارًا قابلاً للاستمرار، بل هو طريق حتمي نحو الانهيار.

اليوم يبقى استقرار لبنان هشاً، شرط النهوض والانقاذ هو الدولة، أن الدولة وحدها هي الخيار القادر على حماية لبنان واللبنانيين. الدولة بصفتها اطارا سياسيا واجتماعيا جامعًا وبصفتها الضامن الوحيد للمصلحة الوطنية اللبنانية التي همشت لعقود طويلة لصالح المصالح الحزبية والإقليمية.
ان المصلحة الوطنية تتطلب تسليمًا كاملاً بسلطة الدولة وأجهزتها الشرعية والرسمية حصراً، دولة تحتكر وحدها قراري الحرب والسلم، دولة تمتلك وحدها السلاح والقوة وتمارسها على كامل مساحة الوطن. الدولة، كمرجعية وحيدة والحصن الذي يحمي الوطن والمواطنين.
كما أن الدولة هي الخيار الوحيد لمواجهة المغامرات الخارجية التي أثبتت أنها تأتي دائمًا على حساب اللبنانيين. وحدها الدولة القادرة على حماية الوطن من الأخطار، وفي مقدمتها الخطر الإسرائيلي، والتصدي لأي خضوع أو إذعان ليعود لبنان ذات سيادة كاملة.
إن بقاء الواقع السياسي والاقتصادي الحالي ليس خيارًا قابلاً للاستمرار، بل هو طريق حتمي نحو الانهيار.

نحن اليوم بصدد نداء لاستعادة الدولة، واستعادة الدولة بالواقع الراهن تتم عبر إعادة تكوين السلطة لتفكيك سيطرة الميليشيا وسيطرة المافيا ومنظومة الفساد، من أجل وضع اجندة سياسية وقوى عديدة ومتنوعة في المجتمع اللبنانيـة.
نحن اليوم مجتمعون من أجل ووضع حد لمسار التعطيل وشعور بفائض القوة وإخضاع اللبنانيين الترغيب والترهيب والتخوين، وتعطيل المسار الديمقراطي، ومحاولة منع السياسة.
فمن موقع الانحياز لمعركة استعادة الدولة، للديمقراطية، للسيادة والاصلاح والعدالة الاجتماعية، اجتمع لبنانيون ولبنانيات في لحظة مفصلية ليؤكدوا التزامهم بمسار استعادة الدولة العادلة ذات السيادة المستدامة وهو ما يستوجب:

• احترام الدستور اللبناني وتطبيق وثيقة الوفاق الوطني بكل بنودها كمرجعية تنظم العلاقة بين اللبنانيين.
• التسليم الطوعي للمؤسسات الشرعية والدستورية كامل الصلاحيات، بما يضمن بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها. فلا يمكن بناء دولة مستقرة إلا باستعادة الدولة لسيادتها الكاملة الدولة كسلطة سياسية قادرة وحدها وبشكل حصري على اتخاذ القرارات كافة.
• الالتزام بالقرارات الدولية، لا سيما القرار 1701، لضمان حماية سيادة لبنان واستقراره، والتمسك بوقف اطلاق النار كخيار استراتيجي يحمي لبنان، بحيث يقع على الحكومة اللبنانية المسؤولية الحصرية في متابعة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وضمان الالتزام به، دون السماح بأي تدخلات محلية أو خارجية تؤثر على قراراتها السيادية.
• ادانة الخروقات الاسرائيلية والمطالبة بالالتزام بالاتفاقية والانسحاب فورا إلى حدود اتفاقية الهدنة، ومطالبة المسؤولين إعطاء الناس أجوبة حول ما ينتظر اهل الجنوب بعد انقضاء الستين يوما،
• فيما يتعلق بإعادة الاعمار، حصر إدارة عملية الإعمار بالدولة من خلال مؤسساتها الرسمية، لضمان الشفافية والمساءلة، وإقرار برنامج إعادة الإعمار ببعد تنموي ومستدام وليس فقط مقاولاتي، والتصدي لكل محاولات التوظيف الزبائني لعملية إعادة الاعمار من أجل كم الافواه وابتزاز الناس من أجل الاطباق على النقاش السياسي النقدي في الجنوب وفي كل لبنان.

ان انتخاب رئيس الجمهورية هو فرصة لبدء مسار إنقاذ وطني ينطلق من الالتزام بقواعد اللعبة الديمقراطية، ولإعادة انتظام المؤسسات الدستورية وتشكيل حكومة كفاءات خارج منطق المحاصصات الطائفية والحزبية، حكومة يقوم بيانها الوزاري على أحادية الدولة، والدولة فقط في كافة المجالات، واطلاق عملية النهوض الاقتصادي والقيام بكافة الإجراءات الإصلاحية المؤجلة من إعادة هيكلة المصارف واستعادة أموال المودعين، وصولًا إلى تنفيذ حزمة إصلاحات شاملة هي أكثر من ضرورية لإعادة بناء البلد، والانفتاح على الحضور اللبناني في الاغتراب.

ولأن لا حل الا بالدولة ، فلبنان بحاجة لإعادة تكوين السلطة واستعادة الدولة ، ومن اجل ذلك لا بد من اطار ومبادرة وطنية تهدف تجميع القوى من أجل قيام كتلة حرجة تقود عملية التغيير.
هذه المبادرة بطابعها الوطني، هي أجل وضع اجندة لإعادة تكوين السلطة وكذلك لتلاقي اللبنانيين من مصالح ومواقع مختلفة والحساسيات من اجل انقاذ لبنان. سيكون للمنبر خطة عمل ومواقف تتابع العمل والتلاقي مع جميع اللبنانيين والقيام بمبادرات لاستكمال التغيير السياسي في لبنان. ستعمل هذه المبادرة خلال الأيام والأسابيع المقبلة على تشكيل لجنة متابعة تهدف إلى وضع هذه الأهداف حيز التنفيذ. وندعو كافة المواطنين، والمجموعات، والأحزاب إلى ضرورة تحمل مسؤولياتهم التاريخية، والانخراط في مسار وطني جامع ينقذ لبنان.