قوة الكلمة أبعد من وسيلة للتواصل!

 

في فيلم “كلاديتور 2”، ألقى المصارع كلمات شعرية بعد أن نحر خصمه في البلاط الملكي. رغم أنه أسير حرب، شعر الإمبراطور بقوة تأثيره. هكذا تختزل الكلمات قوتها، لتتحول إلى أداة ملهمة، كما حدث حين قرر المصارع تحرير روما مردداً كلمات جده: “أحلم بروما جديدة”. تلك العبارة استدعت إلى ذهني جملة مارتن لوثر كينغ الشهيرة: “لدي حلم”، التي ألقاها في الستينيات ضمن مسيرة نضال طويلة ضد التفرقة العنصرية.

الكلمات، في جوهرها، ليست مجرد أصوات أو حروف، بل أدوات تغيير، قادرة على تحفيز المشاعر وصنع التحولات الكبرى. في نقاشٍ جرى بالأمس، استعرضنا قوة الكلمات، وكيف أن بعض الدول تفرض حظراً على كلمات أو عبارات بعينها. هذا الحظر لا يتعلق بمعناها المعجمي، بل برمزيتها وتأثيرها الأيديولوجي أو قدرتها على تشكيل الرأي العام. أحياناً، تتحول الكلمات إلى شعارات شعبية تترك أثراً عميقاً في التاريخ، فتُوصف حقب وأنظمة وممالك بكلمة واحدة مفتاحية.

في هذا السياق، يمكننا فهم الدور الحاسم للكلمات في “حروب الأفكار”. الكلمات مثل “ثورة”، “انتفاضة”، “حركة”، أو “أعمال شغب” ليست مجرد مصطلحات بل أدوات سياسية تُستخدم لتوجيه الرأي العام. الحكومات، على سبيل المثال، تصف الثورات بـ”أعمال شغب” للتقليل من شرعيتها، بينما يطلق عليها الطرف الفاعل “ثورة” أو “انتفاضة” لإضفاء الطابع الشرعي عليها. في بعض الأحيان، يظهر طرف ثالث يتبنى مصطلحاً محايداً مثل “حركة”، في محاولة لتجنب الانحياز.

إن هذا التباين في استخدام الكلمات يظهر بوضوح في الإعلام اليوم. فعلى سبيل المثال، خلال ما عُرف بـ”الربيع العربي”، وصف الإعلام الغربي تلك الأحداث بـ”ثورات”، بينما وصفتها الحكومات المعنية بـ”اضطرابات” أو “أعمال شغب”. في السياق الفلسطيني، يصف الفلسطينيون والمؤيدون لهم انتفاضاتهم بـ”الانتفاضة”، بينما يصفها الإعلام الإسرائيلي بـ”الإرهاب”.

إن الكلمات -يا رعاكم الله- ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي سلاح قوي قادر على تشكيل الواقع. يمكن للكلمات أن تكون مصدراً للإلهام والتحفيز، كما يمكنها أن تكون أداة للدمار. تُستخدم لبناء العلاقات، نشر الأمل، وتعزيز الثقة، لكنها قد تتحول إلى وسيلة لبث الكراهية، تأجيج النزاعات، وخلق الانقسامات.

إن قوة الكلمة تتجاوز حدودها اللغوية، لتصبح محركاً للتغيير وصانعاً للتاريخ. إنها سلاح مزدوج الاستخدام، يمكن أن يُلهم الشعوب أو يزرع الفُرقة. ولذلك، يبقى استخدام الكلمات مسؤولية أخلاقية عظيمة، تتطلب وعياً بمدى تأثيرها وعمقها.