سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول 2024 جعل واقع مؤسسات الدولة السورية بمرحلة ثبات لفترةٍ من الزمن وقد نكون مازلنا فيها إلى حدٍ ما، لكن سُرعان ما تمّ تشكيل حُكومة مؤقّتة لتسيير أمور مؤسسات الدولة وإصدار أهم القرارات المُتعلّقة بالشأن العام فمن حيثُ المبدأ تم إصدار قرار بمنح جواز سفر لفترة ستّة أشهر مجاناً لكافة المواطنين وذهبت الحكومة إلى تسيير مختلف القطّاعات العامة من مشافي وجامعات ومصانع ومعامل ومطار دمشق اليوم 18 كانون الأول بدأت أول رحلة داخليه الى حلب والعملية الإنعاشية مُستمرّة في كافة القطّاعات.
لكنَّ الشعب السوري يتطلّع لبناء دولة حديثة في ظلِّ القيادة الجديدة متقدّمة في خدماتها في مختلف القطّاعات، فيُثار التساؤل عن أهم الآليات المُرتقبة للسير في هذا الاتجاه …
نُشير إلى بعض وأهم خطوات تفعيل مؤسسات الدولة الحديثة وفق ما يلي:
أولاً: تحديث القوانين والتشريعات القانونية بما يتماشى مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الجديد، فرجال الأعمال وأصحاب المشاريع يرتقبون حقيقةً إزالة القيود وتقديم التسهيلات في هذه التشريعات والنصوص القانونية لتوجيه البوصلة إلى الداخل السوري لوضع نقطة البدء في مشاريع تنموية اقتصادية في الداخل السوري مما يُعزّز تقديم الخدمات لأبناء الشعب السوري وتقديم أفضل الخدمات له بأقلِّ التكاليف.
وأيضاً على صعيد الداخل السوري لم يعد الأمر محصوراً بشركات ومصانع كانت رهن النظام السابق فالاتصالات مرتفعة وخدمة الأنترنت محصورة بشركتين فقط والمصانع كانت بيد رجال الأعمال المحسوبين على النظام المخلوع والجامعات الخاصة كانت رديفة لتوجهات حزب البعث وأقساطها ورسومها كانت موضع مُحاصصة مع أسياد النظام السابق. من هُنا تتجسّدُ أهمّية التشريعات الجديدة التي ترسمُ إطاراً مريحاً للشباب المقدمين على فتح مشاريع في سوريا الحديثة دون مُحاصصة من فروعة الأمن أو رجال الدولة.
ثانياً: تعزيز الكفاءات الإدارية لموظفي القطّاع العام : فمن المعلوم أنّ دوائر النظام السابق كان أغلب تعينات موظفيهاقائمة على المحسوبيات والمعارف والانتماء الحزبي بعيداً عن الكفاءة والتخصّص للفرد، فالقيادة اليوم أمام فرصة حقيقية في تطبيق مقولة ” الشخص المُناسب في المكان المُناسب” بما يضمن تقديم الخدمات الأساسية للفرد في كافة دوائرها وقطاعاتها بشكل أدق وبطريقة تصون كرامة الشعب بعيداً عن المحسوبيات والرشاوي.
ثالثاً: وضع أنظمة رقابية: إنَّ دوائر الدولة بحاجة حقيقية إلى تفعيل أنظمة الرقابة بها التي ومن خلالها تضمن حُسن سير العمل وفق الأصول بعيداً عن أي مخالفات سلوكية، وما أحوج الشعب السوري اليوم إلى تقديم خدمات له بدون فساد وفي كافة المجالات الصحيّة والقانونية والمدنية والعلمية في بعض الأحيان .
فالمناقصات يجب أن تقع على من يقدّم أفضل الخدمات وبأقلِ التكاليف والجامعات والمدارس الخاصة يجب أن تكون برسوم تتماشى مع واقع الدخل الفردي وليست حكراً على أبناء الطبقة المُخملية وكسب الوظيفة يكون مُتاحاً لأهل الكفاءة دون النظر إلى أي معيار آخر قائم على الدين أو الطائفة أو التوجّه .
رابعاً: الاستفادة من التكنولوجيا : وهذه مهمّة أساسية لحكومتنا الجديدة في بناء أدوات وتقنيات حديثة لتحسين الخدمات الإدارية وتبسيط الإجراءات وفقاً للتحوّل الرقمي، وهذا الأمر في كثير من الأحيان يضبط عمليات الفساد ويسرّع من تقديم الخدمات وفق كفاءة عالية . ولابد من الاستفادة من التقنيات التكنولوجية في تسيير أمور الدولة الحديثة في ضبط المراجعات وتقديم الطلبات واستحصال على الأوراق الرسمية، وهذا ليس بمستحيل فالنظر إلى جانب من الدول المُتقدّمة وأخذ مسارها الإداري المعتمد بشقّه الأكبر على برامج التكنولوجيا يُعزّز من تقديم الخدمات للمواطن ويعفينا من مناظر الطوابير أمام مؤسسات الدولة .
خامساً : احترام حقوق الإنسان : ان بناء الدولة الحديثة يعتمدُّ بالدرجة الأولى وبشلٍ أساسي جداً في احترام حقوق الإنسان لأنّ احترام حقوق الإنسان بالدرجة الأولى له دور كبير في اكتساب الشرعية الدولية وديمومتها، كما أنّه يُساهم بشكل جذري في إقامة نظام عادل في كلّ القطاعات وله دورٌ أساسي في تحسين العلاقات الدولية وبالنسبة لسوريا تحديداً العلاقات مع الغرب الذي يُعطي حقوق الإنسان أهمية بالغةً تتجسّدُ في الحرية الفكرية والسياسية وحرية إقامة الشعائر الدينية وضمان حقوق الأقليات وحقوق النساء وغيرها الكثير التي تُعتبر أساساً في الدولة الحديثة العصرية المُغايرة لما كانت عليه في ظل نظام أسد المخلوع القائم عل القمع والإرهاب والتخوين وضرب حقوق الإنسان بعرض الحائط.
خامساً : مُشاركة المُجتمع المدني : إنّ هذا الجانب يحمل في طيّاته الكثير والكثير من الخطوات في بناء دولة حديثة فمساهمة المُنظّمات الحكومية في صنع القرار وتقديم صلاحيات لها في مراقبة سير عمل المؤسسات الحكومية وتوضيح احتياجات المجتمع وأفراده وتعزيز الثّقة بين المواطنين والحكومة ومؤسساتها يلعب دوراً هاماً محورياً في بناء الدولة الحديثة القائمة على الديموقراطية وتعزيز قيمة المُواطن وتحقيق العدالة الاجتماعية وتشجيع التنمية المُستدامة .
سادساً: رفع مستوى التعليم وتعزيز المناهج الدراسية: أمام الحكومة الجديدة ممثلةً بوزارة التربية مهام حقيقية في رفع مستوى المناهج الدراسية في سوريا سواء مع التعليم الحكومي أو التعليم الخاص لأنّ بناء الدولة الجديدة يعتمد بالدرجة الأولى على بناء الفكر التربوي السليم لأبناء سوريا بعيداً عن حزب البعث والولاء المُطلق لشخص معين، ليكون التعليم في سوريا الحديثة وسيلةً حقيقيةً في بناء المواطنة الفعّالة والانتماء للوطن ليس للحزب والعمل لمستقبل البلد ليس لمستقبل القائد الخالد، كما يكون فرصةً مهمّة في كسب المبدعين ومساعدتهم على الابتكار وليس منعهم من الظهور وتفشيلهم وإخمادهم، كما أنّ مادة القومية القائمة على أقوال القائد الخالد والولاء له ولحزبه لابُدَّ من إلغائها واستبدالها بمقررات تعمل على تنمية الفكر الإبداعي للتلميذ وتعزيز المواطنة والانتماء للبلد الواحد .
الخُلاصة : إنّ بناء الدولة الحديثة يعتمدُ بالدرجة الأولى على فكر أصحاب القرار فنحنُ في العصر الحديث الوسائل مُتاحة والإمكانيات متواجدة وما نحتاج اليه قرارات صائبة تعمل على إتاحة الفرص للعمل واستقطاب الشركات الإقليمية والدولية لتنمية الداخل السوري، والاستفادة من خبرات من تمّ اقصاؤهم خارج سوريا وتعزيز الفكر الشبابي وتنمية دورهم في بناء سوريا المستقبل وأولاً وأخيراً احترام حقوق الإنسان في كافة الميادين والقطاعات وفق منهج واستراتيجية مُعتدلة .