منذ بداية النزاع السوري في 2011، ظل مستقبل البلاد بعد حكم الرئيس بشار الأسد موضوعًا محوريًا في العديد من النقاشات السياسية والتحليلية، ومع استمرار الحرب الأهلية وتدخل القوى الأجنبية، تضاءلت الآمال في حل سياسي سريع للأزمة، وبعد أن تم إسقاط النظام السوري من قبل هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع فجر الأحد 8 ديسمبر كانون الأول “السيطرة على دمشق وإسقاط الأسد”، فإن السؤال الذي يطرحه الكثيرون الآن هو: ماذا سيحدث لسوريا بعد أن تم الإطاحة بهذا النظام؟
يمكن إجمال بعض السيناريوهات الممكنة لمستقبل سوريا في مرحلة ما بعد الأسد، مع الأخذ في الاعتبار التحديات الداخلية والتدخلات الإقليمية والدولية المعقدة بما يلي:
أحد السيناريوهات المتفائلة التي يتم الحديث عنها هو الانتقال إلى نظام ديمقراطي في سوريا بعد أن سقط نظام بشار الأسد وهذا السيناريو يعتمد على قدرة القوى المعارضة، سواء كانت داخلية أو خارجية، على فرض عملية سياسية شاملة تهدف إلى بناء مؤسسات ديمقراطية. حيث انه من المحتمل أن يتم إنشاء حكومة توافقية تمثل مختلف الأطياف السياسية في البلاد، بما في ذلك المجموعات المعارضة للنظام، الأكراد، والعرب السنة، والمجموعات العلوية والدرزية، وهذا يتطلب تبني دستور جديد وضمان حقوق الأقليات، وهو أمر معقد في ظل الانقسامات الطائفية العميقة التي خلفتها الحرب الأهلية.
ومع ذلك، تواجه هذه الفكرة العديد من التحديات، ومنها ان هناك شكوك حول قدرة المعارضة على تشكيل حكومة موحدة بعد سنوات من الحرب. كما انه تظل الأطراف الخارجية مثل روسيا وإيرانوتركيا والولايات المتحدة متورطة في الصراع بشكل معقد، مما قد يعقد أي عملية انتقالية.
السيناريو الآخر هو تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ تحت سيطرة القوى الكبرى والإقليمية، مع تحول البلاد إلى دولة شبه فاشلة، حيث تظل السلطة المركزية ضعيفة أو غير موجودة. وفي هذا السيناريو، من المرجح أن تسيطر كل من روسيا وإيران والولايات المتحدة وتركيا على مناطق مختلفة من سوريا بناءً على مصالحهم الإستراتيجية.
فعلى سبيل المثال، تسيطر روسيا وإيران بشكل كبير على المنطقة الغربية التي تشمل العاصمة دمشق ومناطق أخرى رئيسية، بينما تسيطر تركيا على شمال سوريا، خاصة في المناطق الحدودية مع تركيا، بينما تواصل الولايات المتحدة دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردي في شمال وشرق البلاد. وبالتالي فإذا استمر هذا الوضع، فإن سوريا قد تشهد تقسيمًا غير رسمي إلى “دول” أو مناطق ذات حكومات محلية تعتمد على الدعم الخارجي.
رغم أن نظام الأسد قد انتهى وتم اسقاطه، قد يكون هناك سيناريوعودة نظام مشابه لنظام الأسد الى السلطة، حتى وإن تغيرت الظروف الإقليمية والدولية، وفي هذا السيناريو، سيظل الحكم المركزي ضعيفًا لكن السلطة الفعلية ستكون بيد الداعمين الإقليميين والدوليين، مما يحول سوريا إلى “دولة تابعة” تحكمها مجموعة صغيرة من النخب المتحالفة مع قوى خارجية. في هذا السيناريو، من المحتمل أن تستمر حالة “الحرب الباردة” في سوريا بين القوى الإقليمية والدولية، حيث سيتزايد الانقسام بين حكومة النظام وقوى المعارضة.
من بين السيناريوهات الأكثر تشاؤمًا هو أن تتحول سوريا إلى دولة فاشلة، حيث تتفكك السلطة المركزية بالكامل وتصبح الدولة غير قادرة على فرض النظام أو تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. وبالتالي ستظل البلاد مرتكزة على جماعات مسلحة وأيديولوجيات متباينة تتنافس على السلطة.
بحيث قد تتحول المناطق السورية إلى “دول” صغيرة تديرها مجموعات جهادية أو ميليشيات ذات نفوذ محلي أو إقليمي، مما يجعل من المستحيل إعادة بناء الدولة أو توحيد الأراضي السورية مرة أخرى. كما أن هذا السيناريو يمكن أن يساهم في استمرار تدفق اللاجئين السوريين إلى الخارج وزيادة الأزمات الإنسانية في الداخل.
تجدر الإشارة الى في حال نجاح التغيير السياسي في سوريا، فهنالك حاجة ماسة وضرورية إلى عملية إعادة إعمار شاملة، وهذا يتطلب مشاركة دولية كبيرة، مع توفير الدعم المالي والإنساني من قبل المجتمع الدولي لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.، ويعتمد هذا السيناريو بشكل كبير على قدرة الأطراف الدولية على التوصل إلى اتفاق حول مستقبل سوريا، خصوصًا فيما يتعلق بالدور الذي ستلعبه إيران وروسيا وتركيا والولايات المتحدة في إعادة بناء سوريا.
مستقبل سوريا بعد حكم الأسد يعد من أكثر القضايا تعقيدًا في السياسة الدولية، سيناريوهات ما بعد الأسد تعتمد بشكل كبير على التطورات العسكرية والسياسية الداخلية، وعلى التفاعلات بين القوى الإقليمية والدولية. ومع تعقد الوضع في سوريا، فإن أي حل سياسي مستقبلي سيحتاج إلى توافق بين الأطراف المعنية، وهو ما يبدو صعبًا بالنظر إلى الانقسامات العميقة في البلاد والمصالح المتضاربة للقوى الدولية والإقليمية، واي سيناريو لمستقبل سوريا يتطلب التفاعل بين القوى المختلفة بشكل يعزز من استقرار المنطقة ويساهم في تحقيق السلام المستدام للسوريين.