الاستراتيجيات الصينية في مواجهة التحديات الأمنية

تواجه الصين في القرن الحادي والعشرين مجموعة من التحديات الأمنية التقليدية وغير التقليدية، سواء داخل حدودها أو خارجها. على الصعيد الخارجي، يتعين على الصين إدارة التوترات المرتبطة بالنزاعات البحرية الإقليمية، وحماية مصالحها المتزايدة في الخارج ومواطنيها، والرد على التحركات العسكرية للولايات المتحدة في آسيا. أما داخلياً، فتواجه الصين تهديدات من الاضطرابات العرقية، والانفصال، والإرهاب، والمعارضة السياسية المحلية.

لمواجهة هذه التحديات، تبنت الصين استراتيجية أمنية وطنية شاملة تدمج بين العناصر الداخلية والخارجية. جزء أساسي من هذه الاستراتيجية كان إعادة هيكلة وتحديث القوات العسكرية الصينية وتوسيع قدراتها على إسقاط القوة. استثمرت الصين بشكل كبير في تحديث قدراتها الجوية والبحرية والصاروخية وفي الحرب السيبرانية والفضائية. ويؤكد العقيدة العسكرية الصينية الحالية على ضرورة وجود قوات قادرة على تنفيذ العمليات على طول محيط الصين وأبعد من ذلك.

ومع ذلك، لا تقتصر استراتيجية الأمن الصينية على توسيع القدرات العسكرية فحسب، بل تعتمد أيضًا على أدوات اقتصادية ودبلوماسية وسياسية متكاملة إلى جانب الوسائل العسكرية. تستخدم الصين الروابط الاقتصادية والمشاركة في المؤسسات متعددة الأطراف والشراكات الثنائية لإنشاء حواجز أمنية وتعزيز مصالحها الاستراتيجية. وتساهم مشاريع البنية التحتية في مبادرة الحزام والطريق في تسهيل التكامل الاقتصادي وفي الوقت نفسه توسيع النفوذ الاستراتيجي للصين.

مع توسع مصالح الصين الاقتصادية في جميع أنحاء العالم من خلال مبادرة الحزام والطريق، تسعى الصين إلى زيادة تواجدها العسكري لتأمين خطوط الاتصال الاستراتيجية والمراكز الاقتصادية الحيوية. يتضمن ذلك إنشاء قواعد عسكرية خارجية وتعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الشريكة في المبادرة. في عام 2017، أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية خارجية في جيبوتي، ووصفتها رسميًا بأنها منشأة لوجستية لدعم عمليات مكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال، بينما يرى المحللون أنها تخدم أهدافًا أوسع لإسقاط القوة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وفي مشاريع مبادرة الحزام والطريق في المنطقة.

تشير التقارير إلى أن الصين تجري محادثات لإقامة مرافق عسكرية إضافية في باكستان، حيث استثمرت بكثافة في الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان. تشمل المواقع المحتملة الأخرى لإنشاء قواعد مستقبلية ميانمار وسريلانكا وكينيا وتنزانيا والإمارات العربية المتحدة، وجميعها مواقع استراتيجية على طول الأقسام البحرية لمبادرة الحزام والطريق. في حين أن العديد من الدول المضيفة المحتملة تنفي وجود مثل هذه المفاوضات، فإن الورقة البيضاء للصين لعام 2019 حول الاستراتيجية العسكرية تؤكد على زيادة القدرة على حماية المصالح الخارجية، مما قد يتطلب شبكة أوسع من المرافق اللوجستية العسكرية.

بالتزامن مع تنفيذ مبادرة الحزام والطريق عبر أوراسيا وخارجها، تعمل الصين على تعزيز الشراكات الاستراتيجية القائمة وبناء شراكات جديدة لتعزيز مصالحها ونفوذها. حلفاء الصين التقليديين مثل باكستان وكوريا الشمالية وروسيا يكتسبون أهمية متزايدة في عصر المبادرة. تعد باكستان الشريك الرئيسي في الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، حيث تم التخطيط لمشاريع بقيمة 62 مليار دولار قيد التنفيذ حتى عام 2017. وقد عزز البلدان روابطهما الدفاعية والتعاون في إدارة الحدود لتأمين هذا الممر.

مع كوريا الشمالية، تهدف الصين إلى تحقيق استقرار النظام وزيادة النفوذ الاقتصادي، بما في ذلك من خلال مشاريع البنية التحتية المرتبطة بأهداف المبادرة البيئية والتواصلية. كما أن مواجهة الضغط الأميركي عززت التحالف بين بكين وبيونغ يانغ. على الأرجح، قامت الصين بتحريك شراكتها الاستراتيجية مع روسيا عبر مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك دمج مبادرة الحزام والطريق مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تقوده روسيا، وزيادة التجارة الثنائية، وتعزيز التعاون الدفاعي لمواجهة النفوذ الأميركي.
بينما تسعى الصين إلى توسيع تواجدها العسكري، فإنها تستخدم أيضًا أدوات الدبلوماسية والاقتصاد كجزء من نهج متعدد الأوجه لتحقيق مصالحها عبر المبادرة. يشمل ذلك استخدام الحوافز الاقتصادية وفرص الاستثمار والجهود الدبلوماسية لتعزيز الشراكات والتأثير.

تعتبر القوة الاقتصادية للصين وعروض التمويل والتجارة والاستثمار جزءًا محوريًا من استراتيجية مبادرة الحزام والطريق. تعمل بنوك مثل بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوي وصندوق طريق الحرير كآليات رئيسية للتمويل، حيث قدمت أكثر من 190 مليار دولار لمشاريع في 138 دولة حتى عام 2022. في الدول التي تتبنى مشاريع البنية التحتية للمبادرة بدعم من القروض من البنوك الصينية، تكتسب الصين نفوذًا اقتصاديًا وسياسيًا من خلال عمليات مثل “الأسر النخبوي” و”دبلوماسية فخ الديون”، مما يجبر الدول التي تكافح لسداد الديون المتزايدة على تقديم تنازلات استراتيجية.

كما وسعت الصين وجود شركاتها في الخارج من خلال عقود البناء والمناطق الاقتصادية الخاصة ومشاريع الحدائق الصناعية المرتبطة بالمبادرة، مما يعزز نفوذها الاقتصادي والسياسي في مختلف المناطق الحيوية.