عايشنا مشاهد الصواريخ الإسرائيلية وهي تنسف المباني اللبنانية، وكأن ساكنيها ليسوا بشرًا، في مشهد يعكس وحشية مفرطة. هذه الجرائم تمر بلا رادع، لأن الدولة اللبنانية، ومعها معظم الدول العربية، تفتقر إلى “قوة الردع” أو أوراق تفاوض حقيقية تفرض حضورها على طاولات القوى الغربية.
هذا المشهد يعيدني بالذاكرة إلى العراق في عام 2003، حين شنت الولايات المتحدة آلاف الطلعات الجوية ضمن استراتيجية “الرعب والصدمة”. وحدها بغداد تلقت ألف غارة، مما خلف 15 ألف قتيل مدني خلال 20 يومًا، في حين انشغل الإعلام بتغطية النظام السابق متجاهلًا مأساة الأبرياء. اليوم، السيناريو يتكرر؛ التركيز منصب على حزب الله، بينما يختفي المدنيون من المشهد وكأنهم هامش بلا قيمة.
ويبقى السؤال قائمًا: عسكريًا، هل تستطيع إسرائيل توجيه ضربات مماثلة لإيران أو تركيا؟ بالطبع لا. كلا البلدين يمتلك قوة ردع معتبرة تمنع أي مغامرة عسكرية إسرائيلية. المفارقة تكمن في أن الدول العربية، رغم ثرواتها النفطية الهائلة، ساهمت في تمزيق جيوشها، إما بعفوية أو بتواطؤ مع الدول الغربية.
بلداننا، التي كان يمكنها تأمين مستقبل شعوبها بثرواتها، اختارت أن تبقى مجرد “بائعة نفط”، بلا رؤية استراتيجية، تاركة شعوبها في دوامة من الحروب والتشريد والاقتتال الداخلي. مشهد الأحزاب العراقية المتصارعة على حساب المصالح الوطنية يعكس صورة أوسع عن الوضع العربي: انقسامات داخلية لا نهاية لها، وأحزاب لبنانية مزقت وطنها ودمرت مستقبل أبنائها.
ومع ذلك، علينا أن نتوقف عند التجربة الإسرائيلية. رغم أن الإسرائيليين قادمون من الشتات ولا يجمعهم سوى الدين ولغة مصطنعة، نجحوا في خلق دولة ذات نفوذ سياسي عالمي، تتحدى حتى الدول الكبرى. نتنياهو، ورغم فساده وسعيه للتهرب من المحاكمات، يعمل على ضمان مستقبل إسرائيل بحيث تصبح untouchable، أي دولة لا يمكن المساس بها.
لكن الخطر الحقيقي الذي نواجهه اليوم لا يكمن فقط في العدوان الإسرائيلي، بل في الاعتياد. أصبح قتل المدنيين، سواء في فلسطين أو لبنان أو أي بلد عربي، حدثًا عاديًا ومألوفًا. لقد فقدنا القدرة على الغضب، وتسلل إلى وجداننا شعور بأن هذه الحروب جزء من حياتنا اليومية، وكأن الدم العربي بات لا قيمة له.
فهل يمكننا كسر هذا الاعتياد؟ وهل يمكننا تجاوز انقساماتنا وبناء مستقبل يجعلنا قادرين على الدفاع عن أنفسنا، مثلما فعلت إيران وتركيا؟ الأسئلة مفتوحة، لكن الإجابات تتطلب وعيًا وجرأة لم نمتلكهما بعد.