السّلام في الشرق الأوسط: وعدُ ترامب هل يتحقّق؟

في ظلِّ الصراعات التي شهِدها ومازالَ يَشهدُها الشرق الأوسط يبقى الأمل أمام الجميع في تحقيق السلام والاستقرار . في صباح يوم السابع والعشرون من تشرين الثاني العام 2024 ومع صدور قرر وقف إطلاق النار في لبنان، يتجدّد الأمل في امتداد هذا الأمر لفلسطين وأن تنتهي المأساة التي نعيشُها، ولا يتحقّق ذلك إلا بجهود دولية وإقليمية حقيقة .

الجدير بالذّكر أنّ النّزاعات المُستمرة الواقعة في الشرق الأوسط لها أسبابُها الأساسية والتي تتعلّق بقضايا رئيسية في منطقتنا فالصراعُ العربي الإسرائيلي من أبرزِ القضايا التي تُساهم في حالة عدم الاستقرار والتّوتر المُستمر، والتّدخلات الخارجية التي تشهدها بُلدان الشرق الأوسط لها يد في خلق الصراعاتِ أيضاً، كما أنّ ارتفاع معدّلات الفقر في أغلبِ بلدان الشرق الأوسط وخاصةً بعد عقد من الحروب والصراعات بات مؤشراً خطيراً على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، وخطراً حقيقياً على التجنيد والتطرّف.

فوز ترامب الأخير في الانتخابات الامريكية التي وقعت في 5 تشرين الثاني 2024 يجعلُنا نستذكر كلماته المُتعلقة بالشرق الأوسط ” أنّنا سنحقّق السّلام في الشرق الأوسط” ولعلّ هذه الكلمة تُعطي الأمل للكثير من المدنيين من سُكان بلدان الشرق الأوسط وقد يُشكّكُ بها الكثير من السياسيين في تلك البُلدان.
هل سيستطيع ترامب بادراته الجديدة إنهاء الحرب في غزّة وإقناع نتنياهو بتطبيق قرار حلّ الدولتين …؟ وهل سيستطيع وضع حد للنُفوذ الإيراني في المنطقة وتحديداً في لبنان واليمن وسوريا…؟ وهل سيستطيع إنهاء إشكالية الفصائل المتطرفة المُسلّحة المنُتشرة في مختلف أرجاء الشرق الأوسط وشمال افريقيا…؟ وهل هو قادر على إنعاش الوضع الاقتصادي في البلدان المُنهارة اقتصادياً في الشرق الأوسط وعلى رأسها اليمن وسوريا والصومال وحتى لبنان ؟

القرارات الأولى لإدارة الرئيس الأمريكي والمُتعلّقة بالشرق الأوسط تحمل مؤشرات عديدة من حيث المبدأ على صعيد القضية الفلسطينية، فتعيينه “مايك هاكابي” سفيراً للولايات المتحدة في إسرائيل و “إليز ستيفانيك” مبعوثةً لأمريكا لدى الأمم المتحدة، يدلّ على سياسة ترامب المُستقبلية في دعم إسرائيل حيثُ معروف عن هذه الأسماء دعمهم المُطلق لإسرائيل.
وبالإشارة إلى حلّ الدولتين – ذلك القرار الذي وُلد ميتاً- الرئيس الأمريكي إن كان حقاً يريد السلام للمنطقة فليٌقدم على خطوات تجعل إسرائيل تخضع لقرار حل الدولتين ويأخذ الشعب الفلسطيني حقّه ويسترد كرامته التي لم يخسرها يوماً، وخاصةً أغلب الدول في الشرق الأوسط ( السعودية ومصر والإمارات والكويت والأردن) وكذلك المجتمع الغربي فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوربي وحتى الصين تدعم هذا الحل، ومن يقرأ المشهد بشكل واضح يعي أنّ هذا القرار في أغلب الآراء يضمن الاستقرار في قضية الصراع العربي الإسرائيلي.

في ظل التمدّد الإيراني الذي بات واضحاً في العمق السوري وفي القلب العراقي والأجنحة اليمينة يبدو المشهد مُعقداً وصعباً للغاية في تحجيم إيران عمّا وصلت اليه بالطرق الدُبلوماسية والسياسية، وترامب يُنادي للسلام من جهة وتحجيم إيران. من جهة ثانية يتعقّد المشهد التحليلي حول طريقة تفكير هذا الرجل ليصدّر إلى المشهد أنّ هذه العبارة ” السلام في الشرق الأوسط” قد استخدمها لاستقطاب العرب واستخدامهم للنجاح في انتخاباته الرئاسية .

تنظيمُ الدولة الإسلامية المُتطرّف بعدَ هزيمةِ التحالف الدّولي ضدّه لم ينتهي ومازالَ له وجود في الإقليم الافريقي ووصلوا إلى الصومال وهم في أطراف العراق وسوريا ونيجيريا، وخطره على منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا يُعتبر ورقةَ تحدّي أمام ترامب. وماذا عن مخيمات داعش في الشمال السوري التي وضعتهم الولايات المتحدة الأمريكية تحت رقابة الأكراد أليسَ هؤلاء أكبر خطر على الشرق الأوسط…؟!
لماذا لا تتم مُحاكمتهم كلٌ في بلده وفق تشريعاتهم الداخلية ويتم إنهاء وجودهم أم أنّ وجودهم وتربية أبنائهم على الفكر المُتشدّد المتطرف ورقةً قد تُستخدم في وقتٍ مُحدد بإشعار أمريكي صهيوني…؟
القُوات الكُردية في المنطقة ( تركيا والعراق وسوريا) مدعومةً من الولايات المتحدة الأمريكية ولا شك أنَّ السلام يتطلّبُ حلّْ هذه الأحزاب والفصائل العسكرية وعودتِهم إلى النّسيج الوطني الأصلي كُلاً في بلده،ِ وعدم تغذية الفِكر القائم لديهم بتشكيل منطقة خاصة بهم وتبعاً لحكمهم، فهذا الأمر يجلب النزاع السياسي والعسكري إلى المنطقة، وإنَّ دعمهم حقيقةً من الولايات المُتحدة الأمريكية مصدر شك للقوات الحكومية التركية والسورية والعراقية.

أعتقد أنّ الرئيس الأمريكي أمام تحدّي صعب في تطبيق عبارته ” السلام في الشرق الأوسط” ولطنها ليست مُستحيلة وإن كانت من وجهن نظري تتعلق بأمور أساسية أشرت لها أولها تحقيق انجاز تاريخي في حل الدولتين، وثانيها القضاء بشكل حقيقي وفعلي على مصادر تمويل الإرهابيين والمتطرفين في الشرق الأوسط وإنهاء خطر داعش في المنطقة، ووقف دعم الأكراد في الشرق الأوسط، ورفع العقوبات الاقتصادية عن أي بلد عربي سعياً في الإنعاش الاقتصادي على الصعيد الداخلي، ووضع حدود صارمة للتدخل الإيراني في المنطقة. هذا ما سيحمل الأمل إن نُفذَ حقّاً في سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط.

ويجب ألّا ننسى أن لهذا الشخص ما يُشغله ويُشغل حكوماته عن الشرق الأوسط وتحديداً النزاع مع الصين والحرب الروسية الأوكرانية حيثُ يمكن وصفها بالملفات الساخنة في إدارة ترامب في المرحلة القادمة..
العديد من المُحللون السّياسيون يقولون أنَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سَيسّتَنزف الشرقَ الأوسط وتحديداً دولةَ الاماراتِ العربيةِ المُتحدة والممّلكةِ العربيةِ السُعودية، ويقول استاذ العلاقات الدُولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، فواز جرجس في هذا الشأن: “يجب أن نستعد للأسوأ”.

الخُلاصة:
نحنُ أمامَ مشهدٍ ضبابي في سياسةِ ترامب تجاه الشرق الأوسط ونواياهُ الحقيقة وعبارة ” السلام في الشرق الأوسط” تبقى مُعلّقةً رهينةَ ما سيقومُ به هذا الرجل من قراراتٍ واستراتيجياتٍ تَكشُف حقيقته. ولكن يجب أن نّعي أنّ الولايات المُتحدة الأمريكية في فلسفة تركيبتها كدولة عُظمى من مصلحتها استمرار الصراعات في الشرق الأوسط لأنّ هذه الصراعات وما ينتُج عنها من حروب هو السبب الأساسي لتدخُلها ووضع قواعدها العسكرية في بُلدان الشّرق الأوسط.

        ليُمكننا القول أنّنا "أمامَ بلادٌ تسكُنُ في سياساتهِ الشُكوك"