يوما بعد يوم تتضح خطط رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو في ما يخص الشرق الأوسط بصفة عامة وفلسطين بصفة خاصة، إذ أن تصريحاته وأفعاله هي انعكاس لأفكاره التي يحاول تطبيقها بأي شكل من الأشكال، وفي هذا المقال سنحاول التطرق لإحدى المرات التي تكلم فيها نتنياهو وأخبرنا الكثير عن خططه خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 27 سبتمبر الماضي، أحضر نتنياهو معه خريطتين كلاهما للشرق الأوسط ولكن إحداهما تظهر عليها كل من إيران وسوريا والعراق ولبنان باللون الأسود وهي الدول التي أسماها نتنياهو بدول النقمة التي تهدد وجود إسرائيل والسلام والأمن في الشرق الأوسط، وخريطة أخرى تظهر كل من مصر والسودان والسعودية والإمارات والأردن والهند والتي أسماها بدول النعمة التي تتمتع بعلاقات طيبة مع اسرائيل والتي من المنتظر أن تكو’ن هذه الدول شراكة قوية تكون عبارة عن جسر تجاري ضخم يربط بين المحيط الهندي وأوروبا ويمر من الإمارات العربية المتحدة إلى السعودية إلى الأردن ومنه إلى اسرائيل وأوروبا عبر شبكة كبيرة من الطرق والسكك الحديدية وأنابيب الطاقة وكابلات الألياف البصرية.
من خلال هذه الصورة وماقيل سابقا، هناك العديد من النقاط المهم التي يجب أن نتطرق لها وذلك لأنها تبرز بشكل كبير رؤية نتنياهو للشرق الأوسط الذي سيتغير حسب كلامه في وقت سابق، وأهم هذه النقاط:
- ابتلاع غزة والضفة الغربية:
في الخريطة التي لدى نتنياهو، لا وجود لحدود تفصل اسرائيل عن الضفة الغربية أو قطاع غزة، بل يظهر الأمر وكأن أرض فلسطين كلها أصبحت إسرائيل، وهو الأمر الذي يؤكد رفض إسرائيل فكرة لإقامة دولة فلسطينية من جهة، وسيطرة حماس على غزة مرة أخرى من جهة ثانية، بالتالي ستكون كل منهما تحت سيطرة إسرائيل، وإذا كان الأمر مفهوما بالنسبة للضفة الغربية والتي هي حاليا تحت سيطرة اسرائيل، فإن مشكلة إدارة قطاع غزة في حالة فشل المقاومة هناك ستكون من ضمن مهام شركة GDC الإسرائيليةـ والتي سنتطرق إليها في وقت لاحق إذا تطلب الأمر.
وفي آخر تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسائيل سموتريتش، دعى فيها إلى تطبيق السيادة الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية وغزة، فأما الفلسطينيون الذين يقبلون بهذا الأمر، سيتم منحهم مميزات المواطن الإسرائيلي وأما من يرفض ذلك فيجب تهجيره من فلسطين، وأما من يرفض كلا الأمرين، فسيتم اعتباره ارهابيا وستتم معمالته وفقا ذلك من طرف الجهات الأمنية.
إذا، لم يبقى أي شك حول نية حكومة نتنياهو والتي من المفترض أن العرب يعرفونها جميعا منذ سنين طويلة والتي تقضي بإنهاء دولة تسمى فلسطين، ويبدوا أن الأمر يصير أكثر جدية مع مرور الوقت.
كما أن ذلك يثبت عزم الإسرائيليين على الإستمرار في عمليات القصف والحرب بصفة عامة إلى غاية القضاء نهائيا على المقاومة في غزة مهما تطلب الأمر ومهما كلف ذلك من خسائر. - علاقات متينة مع الإمارات والسعودية والأردن
إن كلام نتنياهو عن الإمارات والسعودية والأردن يدل على وجود علاقات جيدة جدا مع هاته الدول لدرجة أن هناك إمكانية لبناء شراكة كبرى معها، وربما قد أمكننا ملاحظة مدى متانة هذه العلاقات من خلال الجسر البري الذي يبدأ من ميناء دبي إلى إسرائيل مرورا بالسعودية والأردن والذي تم اللجوء إلى استخدامه أثناء هجمات الحوثيين على السفن المتجهة إلى إسرائيل من خلال البحر الأحمر، وهو مايثير الإستغراب بكل صراحة عن كمية الدعم الذي تقدمه هذه الدول إلى حكومة الإحتلال، فمتى سيدرك العرب أن أي اتفاق مع إسرائيل سيكون أولا وحتما لمصلحتها بشكل أساسي ؟
كما أن إدراج السعودية في هذه الخطة يدل بشكل واضح على أنها تتجه لتطبيع العلاقات هي الأخرى في الأيام القادمة خاصة مع عودة ترامب إلى الرئاسة، وهو الذي وعد بإستكمال عملية تطبيع العلاقات الإسرائيلية العربية في المستقبل. - مصر والسودان ؟
حقا لقد تكلمت كثيرا الخريطة التي أحضرها نتنياهو، وهذه النقطة دليل آخر وبرهان جديد على أنانية الإسرائيليين التي ذكرناها قبل قليل، فإذا كانت تلك الخريطة المعروضة هي تصور نتنياهو للشرق الأوسط الجديد، وبما أنه اعتبر مصر والسودان من دول النعمة، ألا يعتبر إنشاء طريق بري من دبي إلى إسرائيل ومنه إلى أوروبا قرارا مجحفا جدا بحق مصر بصفة خاصة ؟ فقناة السويس تعتبر مصدر دخل هام لها حيث، بلغت في سنة 2022 حوالي 9.4 مليار دولار، في حين تراجعت في سنة 2024 بنسبة 23% لتبلغ 7.2 مليار دولار بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وستتراجع بشكل أكبر لو تم تطبيق مضمون خريطة نتنياهو، وهذا تأكيد واضح لما قلناه سابقا بأن أي اتفاق مع إسرائيل، سيكون مصاغا بشكل أساسي لخدمتها أولا.
أما بالنسبة للسودان، فقد تم تدميره حرفيا من خلال خلق الفوضى وتدبير المؤامرات والتي جعلته يخوض حروبا أهلية فتاكة ومتواصلة لحد اليوم جعلت من الشؤون الخارجية والأوضاع في المنطقة أقل همومه، وكل ذلك من تدبير إسرائيل بالإضافة إلى سذاجة القيادة السودانية وأنانيتها.
في الختام، إن خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجاه الشرق الأوسط تعكس رؤية إسرائيلية لتحقيق مصالحها الأمنية والاقتصادية، وسط منطقة تعاني من الاضطرابات والصراعات. يتمحور نهج نتنياهو حول عدد من الأهداف الأساسية، بما في ذلك تعزيز التحالفات الإقليمية من خلال الترويج للتعاون الاقتصادي مع الدول المجاورة، والتركيز على الابتكار والتكنولوجيا كركيزة للعلاقات المستقبلية. كما يسعى لدعم السلام الإقليمي، لكن بطريقة تؤمن مصالح إسرائيل الأمنية دون تقديم تنازلات كبيرة على مستوى القضية الفلسطينية، كما أن السعودية ستكون على رأس الدول العربية المطبعة مع اسرائيل مستقبلا، خصوصا مع عودة ترامب للسلطة.
وتهدف خطط نتنياهو كذلك إلى مواجهة التهديدات الإيرانية المتزايدة في الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني ونفوذ طهران في دول مثل سوريا ولبنان واليمن.
إجمالاً، تهدف خطط نتنياهو إلى بناء شرق أوسط جديد يتضمن إسرائيل كحليف رئيسي لدول المنطقة ويعزز من دورها كقوة إقليمية، بينما يوازن بين تحقيق المصالح الإسرائيلية والسيطرة على التهديدات المحيطة بها.