تداعيات هُجوم أنقرة على حِزب العُمال الكُردستاني

حزبُ العمال الكردستاني التُركي PKK هو جماعةٌ انفصاليةٌ كُرديةٌ يمتدُّ نُفوذها بشكلٍ أساسي في شمال العراق وجنوب شرق تركيا، ويتكوّن هذا الحزبُ بشكلٍ أساسي من الأكراد الأتراك، ولهم هدفٌ صلبٌ يتجسّدُ في إقامة دولةٍ كُرديةٍ مُستقلةٍ في جُنوب شرقِ تُركيا. ويعودُ تأسيسُ هذا الحزبُ إلى سنة 1978 ويحملُ في مسيرته العديدُ من الهجماتِ وأعمالُ العنف ضد الدولةِ التُركية في مختلف مناطقها ومُدنها وأريافها ولديهم هدف أساسي في خلق حُك ذاتي لهم في المنطقة.

  • التقاء المصالح:
    تلقى الحزب مواجهةٌ صارمةٌ من الدولة التُركية ولعلَّ أقوى الصفعات تتجسّدُ في اعتقال زعيم هذا الحزب سنةُ 1999 “عبد الله أوجلان”، وسجنه في تركيا بتهمة الخيانة، ولكن مع نُشوء الصراع في سوريا تعقّد المشهد في المنطقةِ وخاصةً بعدَ ظُهور العديدِ من الفصائلِ المُقاتلة ومنها المُتطرّفة وعلى رأسها “تنظيم داعش” ليُشكّل خطراً على المنطقةِ بأسرها ما جعلَ مصالح الحكومةِ التُركية تلتقي بجانب معين مع هذا الحزب ومع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التابعة له في مواجهة تنظيم داعش .
  • مفاوضات السلام وفشلها:
    رُغمَ حُدوث مساعٍ لمفاوضاتِ سلامٍ ما بين هذا الحزب والحُكومة التركية في 2009 إلّا أنَّ المُفاوضات فشلت بسببِ تجاوزاتٍ من الحزب وشنّه هجوماً على المدن التركية وبعض أريافها .
    في شهر يوليو/تموز 2011 شنَّ الحزب هجوماً أسفرَ عن مقتل 13 جندياً تركياً، وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول 2018، قام بهجماتٍ استهدفت قوات الأمن التركية، وفي 13تشرين الثاني/نوفمبر 2022 في شارع الاستقلال في حي بك أوغلي وسط مدينة إسطنبول وقعَ هجوماً بموجب عبوةٍ ناسفةٍ أثبتت التّحقيقات أنَّ امرأةً تابعةً لاستخبارات حزبِ العمال كانت وراءه.
  • هجوم أنقرة :
    لمْ يكن بذهن تُركيا أنّها ستتعرّضُ لهجومٍ مُفاجئٍ في ذلك الحين وخاصةً أنَّها قامت بتعزيزاتٍ أمنيةٍ واسعةٍ ولأنّ التوقيت كان حسّاساً – قبل الانتخابات الأمريكية- لتشهدَّ تركيا في 23 تشرين الثاني\ أكتوبر 2024 هجومٌاً مُفاجئاً على شركةِ الصناعات الجويّة والفضائية التُركية “قهرمان قزان” بأنقرة، وهي أكبرُ شركةٍ لصناعات الطيرانِ في تركيا، وقُتل في الهجوم ما لا يقلُ عن سبعةَ أشخاصٍ بينما أُصيب 22 آخرون، ليعلنَ حَزب العُمال الكردستاني، مَسؤوليته عن الهجوم بشكلٍ صريح .
  • ردّة الفعل التركية السريعة:
    ندّدَ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بهذا الهجوم من مُؤتمر مجموعة بريكس بمدينة “كازان الروسية” وهو بجوار نظيره الروسي فلاديمير بوتين، كما ندّدَ به حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ليُسارع الرئيس التركي بعدها بعقد اجتماعاً أمنياً طارئاً ويصرّح بأنه سيواجه هذا الحزب الإرهابي بيد من حديد وأنَّ هذا العمل جرى عن طريق “تسلل المُنفذين من سوريا إلى الأراضي التركية”.
    وكانت التداعيات السريعة بأن شنَّ الجيش التركي ضربات على 47 موقعً للمتمردين الأكراد بما فيها مواقعهم في سوريا والعراق ما نتج عن ذلك مقتل 59 مسلحا .
  • استراتيجية تركيا ما بعد هجوم أنقرة :
    منْ وجهة نظري تُركيا تنتظر الفُرصة المُناسبة للقيام بعمليةٍ عسكريةٍ قاسيةٍ تجاه الحزب قياساً على ما قامت عليه في غصن الزيتون” في يناير/كانون الثاني 2018، و”نبع السلام” في أكتوبر/تشرين الأول 2019، على اعتبار أنَّ العمليتين لم تقضيا على مخاوفها بالمُطلق، وهذه النيّة مُصرّحٌ بها من الرئيس التركيا قبل أكثر من عامين عندما ذكرَ أنّ الحاجة إلى عملية عسكرية جديدة “لإنشاء منطقة آمنة على عمق 30 كيلومترًا جنوب الحدود التركية أصبحت ضرورية.
    فالتقارب التركي مع سوريا يحمل في طيّاته تبنّي هذا الاستراتيجية، فتركيا بتحالفها مع النظام السوري ولو أمنياً فقط ستكون قادرةً على تجميد “قوات سوريا الديمقراطية” وقطع التواصل مع حزب العمال في الشمال العراقي.

ومن جانبٍ آخر وبعد نجاح ترامب بالانتخابات الأمريكية تسعى تركيا للقيام بتحالف معه واقناعه بضرورة شنِّ عمليةٍ عسكريةٍ وإنشاء منطقةٍ أمنية بعمق 30 إلى 40 كيلومترًا. وذلك بهدفِ تدمير مخازن أسلحتهم، ومعسكراتهم، والمنشآت النفطية الخاضعة لسيطرتهم، التي تؤمن لهم مصادر دائمة، وضرورة قطع جميع الطّرق والممرات التي تمثل أسّاس خطوط التواصل بين مسؤولي حزب العمال الكردستاني المتمركزين في الشمال العراقي، ونظرائهم في المناطق الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب (قسد) في الشمال السوري ومنع تشكيل أي حكم ذاتي لهم، ومن جهة أخرى تكون تركيا باكتسابها لهذه المساحة قد أمّنت مكاناً لاستيعاب قسمٍ كبير من اللاجئين السوريين، والتخفيف من مشكلة تواجدهم بكثافة داخل أراضيها.

الخُلاصة:
تُعتبر العلميات العسكرية الإرهابية الّتي يقوم بها حزبُ العمال الكُردستاني وآخرها هجوم أنقرة ورقةً لإشعال فتيل معركة قاسيةٍ قادمةٍ لا محاله بين تركيا وهذا الحزب وهُنا المشهد بتحليلي يكون أمام طرحين اثنين:
الأول : استنزاف تركيا من خلال هذه المعركة وذلك لن يتم إلّا بدعم أمريكي مفتوح لهذا الحزب على الصعيد السياسي والعسكري، “وأنا أستبعد ذلك”.

الثاني : تدمير هذا الحزب أو إضعافه لأبعد حد وذلك بتخطيطٍ تركي استراتيجي أمني مع النظام السُوري وبتحالف أمريكي مع ترامب يودّي في نهاية الأمر إلى تحقيق الأهداف التركية وتعزيز أمنها الوطني والقومي وكسب مساحةٍ من 30 إلى 40 كم تُعتبر منطقة آمنة وتسفيدُ منها لتكون مكاناً للاجئين السوريين الغير قادرين العودة إلى مناطق سيطرة النظام السوري، وهذا ما يُعطي استقراراً للمنطقة وهدوء أكبر في الشرق الأوسط وهذا ما يُحقّق وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

هذا الطرح الثاني أنا أعتبره أقرب الى الواقع، وأعتقد أنّ تركيا على ترقّب دقيق لكيفية خلق هذا التحالف عند انتقال السلطة لترامب بشكلٍ كامل لنستطيع القول أنّ تركيا لديها فرصةً تاريخيةً لتحقيق أهدافها، وضمان وحدتها الترابية، والحفاظ على أمنها القومي إذا ما أحسنت استغلالها.