في شهر آب من عام 2006، أصدَر مَجلس الأمن الدُّولِي بالإجمَاع القَرار رَقم 1701، إثر حَرب إسرائيل وحزب الله المُدمّرة، والتي أودَت بحياة ما يزيد عن ألف ضحية في لبنان ناهيك عن الدمار. طالبَ هذا القرار، الذي تضمّن 19 بندًا، كُل من إسرائيل وحِزب الله بالوقف الفَوري لعملياتهما العَسكرية وبِسَحب إسرائيل جَميع قُوّاتها إلى مَا وَراء الخَط الأزرَق أي إلى مَا وَراء الخَط الفاصِل بَينها وبَين لُبنان؛ ودَعا الحُكومة اللّبنانية إلى نَشر قُوّاتها المُسلّحة في الجَنوب بِالتعاوُن مَع قُوّات حِفظ السّلام وتَطبيق بُنود اتّفاق الطّائف، بالإضافة إلى القرارين 1559 و1680، بما في ذلك تَجريد كُل الجَماعات المُسلّحة اللُّبنانِية من سِلاحها وعَدم وُجود قُوّات أجنبية إلّا بِمُوافقة السّلطات اللّبنانية. كمَا طَلب مَجلس الأمِن في قَرارِه إيِجاد مِنطقة بَين الخَط الأزرَق ونَهر الليّطاني-جَنوبِي لُبنان تَكون خَالية مِن أي مُسلّحِين وَمَعدّاتٍ حَربيةٍ وأسلحةٍ، هذا بالإضافة إلى عددٍ من المُطالباتِ الأُخرى. ممّا يَعني أنّ الهَدف من القَرار 1701، الذي صدَر تَحت الفَصل السّادِس، لَم يكُن وَضع حَد للأعمَال القِتالية التي حَصلَت في تموز مِن عام 2006 فقط، وإنّما رَمى إلى وَقف هذه الأعمَال بِصورةٍ نهائيةٍ. ونَتيجة لذلك، تَمّ اعتبَار القَرار المَذكُور حَجر الزّاوية للإستِقرار بَين لُبنان وإسرائيل.
ولَكن يَبدُو واضحًا أنّ هذا القرار، كالكَثير غيرِه من القرارَات الأُمَمِية، وإن كانَ قَد أَوقفَ العَمليات القِتالية عام 2006، إلّا أنّهُ لم يَتمكّن مِن تأمِين الإستقرَار المَنشود نتيجة للإنتِهاكات المُستمرّة لهُ ولِعدم تَنفيذ العَديد من بُنودِه. إذ تَجدّدت الأعمَال القِتالية بَين إسرائيل وحِزب الله مُنذُ بِضعة أشهُر ومَعهَا عادَ القرَار 1701، الذي صَدر مُنذُ أكثر مِن 18 عامًا، إلى الوَاجِهة وتَصدّر العَناوين الرَئيسية سَواء في لُبنان أو في اسرائيل أو في كافّة الإجتمَاعات الدُّولية المُتعلّقة بالوَضع اللُّبناني الإسرائيلِي، وكأنّ تَنفيذه باتَ الحَل الأنسَب والأسرَع لإنهاء مَا يَحصُل. ولكنّ السُؤال الذي يَطرَح نَفسه، لمَاذا لم يَتمّ تَنفيذ القرار 1701 رُغم صُدوره مُنذ عام 2006؛ ألا تَتمتّع القرارَات الصَّادرة عَن مَجلس الأمن الدُّوَلي بِقوةٍ إلزاميةٍ أم انّها مُجرّد تَوصيات؟ وإذا كانَ القَرار لم يُطبّق في السَّابق فكيف سَيكُون شَبكة الخَلاص لِلُبنان؟
في الواقع، إنّ قَرارات مَجلس الأمن الدُّولي، سَواء تِلك التي تَصدُر تحتَ الفصلِ السَّادس أو تَحت الفَصل السّابعِ، هي قرَارات ذَات طَابعٍ إلزامِيٍ. فالمَادة 25 مِن مِيثاق الأمُم المُتَّحدة وَاضِحة في هَذا المَجال وَلا تَحتمِل أي تَأويل، إذ تضمّنَت تَعهُّدًا مِن قِبل الدُّول الأعضَاء في الأمَم المُتّحدة بِقبول قَرارات مَجلِس الأمن الدُّوَلي وبِتَنفيذِها. حتّى أنَّه يُمكِن لِهذه القرارَات أن تكُون مُلزِمة لِجميع الدُّول الأعضَاء في الأمَم المُتحِدة، حتَّى أُولَئك المُعَارضِين لِقرارات المَجلس، وهَذه السُّلطة المُلزِمة تمّ تكريسُها في المَادة 103 من مِيثاق الأمَم المُتَّحدة، التي تُؤكِّد على أنَّه “إذا تعَارضَت الإلتزَامَات التي يَرتبِط بِها أعضَاء الأمَم المُتَّحدة وفقاً لأحكَام هَذا المِيثاق مَع أي إلتزَام دُولِي آخَر يَرتبِطُون بهِ فالعِبرة بإلتزامَاتِهم المُترتِّبة على هَذا المِيثاق”. ولِهذا فإنَّ لِمجلس الأمن الدُّولي سُلطة تَسمَح لهُ بإلزام الدُّول الأعضَاء بإلتزاماتٍ يَكونُ لها الأولَوِية على أيَّة إلتزاماتٍ قانونيةٍ أُخرَى. مِمَّا يَعني أنّه، ورُغم صُدورِه تَحت الفَصل السَّادس ولَيس السَّابع، يَبقى القرَار 1701 مُلزِمًا وَواجِب التَّنفِيذ. وَلكِن إذا كانَت إلزَامِية هَذا القَرار أمر مَحسُوم بِمُوجَب قَواعد القانُون الدُّولي، إلّا أنّ التساؤُلات ومُنذ صُدورِه تتَمَحوَر حَول أسباب عَدم تَنفيذه أو باِلأحرَى عَدم تَنفيذ مُعظم بُنوده وَحَول الإنتهَاكات المُستمِرَّة له.
في الحقيقة، إنّ المُعضِلة تكمُن في افتقار هَذا القَرار لبندٍ يَنُصّ على إجرَاءاتٍ أو عُقوباتٍ تُفرَض بِحَق الطّرف المُخلّ بالقَرار، ذلك أنّ وَضع هَكذا بَند كان سيُصَعِّب مِن مُهمّة مَجلس الأمن الدُّوَلي وكان سَيُعيق، دُون أدنَى شَك، الإتّفاق على مَضمُون القَرار لإمكَانية استخدَام حَق الفِيتو. كما أنَّ صُدور القَرار تَحت الفَصل السّادس ولَيس السَّابع يَعني عَدم إمكَانية استخدَام القُوّة لإِلزام الطّرَف المُخلّ بِتطبيق بُنود القَرار وَوقف الإنتِهاكات، خُصوصًا وأنَه جاءَ خاليًا مِن أي إشارة بأنّ الأعمَال العِدائية تُشكّل إخلالًا بالسَلمِ والأمنِ الدُوليين. أمّا قُوّات حِفظ السّلام “اليونيفيل”، التي تمّ زِيادة عَدد أفرادِها بِمُوجب القرار 1701 إلى 15000 عُنصر، فهي بِعثة لِحفظ السَّلام تَعمل بِمُوجب الفصل السَّادس مِن ميثاق الأمم المتحدة ولا تَمتلك أي صَلاحيات قِتالية. إذ لا يَجُوز لِعناصِرها استخدام القوَّة إلا في حَالة الدِّفاع عن النَّفس وفي ظُروفٍ جِدّ مَحدُودَة وضِمن شُروطٍ مُعيّنة كاستخدام القُوَّة من أجل ضَمَان أمِن وحُرية تَنقُّل مُوظَّفي الأمَم المُتّحدة والعَامِلين في المجَال الإنسَاني. ممَّا يَعني أنّ عَملها يَقتصِر عَادةً على المُراقبة وتقدِيم التقَارير إلى مَجلس الأمن الدُّوَلي وليسَ لها أيّ قُوَّة رادِعة. مِن هُنا، لم يكُن أمَام الدَّولة اللُّبنانية مُنذ ذلك الحِين سِوى تَقديم الشّكاوى إلى مَجلس الأمن الدُّولي نتيجة للإنتهَاكات الإسرَائيلية المُستمرَة للقرار الأُممي في ظِل تأكيد مُعظَم التّقارِير السَّنويَة الدُّولية على عَدم احتِرام اسرائِيل للقَرار المَذكُور. في حين تَعتبر هذِه الأخيرة أنَّ الدَّولة اللُّبنانية أخلَّت بِبُنود القَرار 1701، لاسيما فِيما خَصّ عَدم انسِحَاب حزب الله، إضافة إلى عدم استلام الجَيش اللُّبناني زِمام الأُمُور.
وعلى ضَوء ذلك، ونتيجةً لارتفاعِ حدّة الأعمَال العِدائية الإسرائيلية ضدّ لبنان إلى مُستوى غَير مَسبوق، تَعالت الأصوات مُطالبةً بِتطبيق القرَار 1701، في حِين نادت أصوات أُخرى بِضرورة تَعديله أواتّخاذ قَرار جَديد تَحت الفَصل السَّابع ضَمانًا لتنفيذه. فهل هَذه الإقترَاحَات واقِعية وكَفيلة بِضمان تَنفيذ القَرار المذكُور أو أي قَرار أُمَمِي جَديد وبِوَضع حَد لمأسَاة الشّعب اللُّبناني؟
في هذَا المَجال، لا بُدَّ مِن التّأكيد على أنّ الأمر لَيس بِهذه البَساطة، إذ حتّى وَلو افترَضنا صُدور قَرار جَديد عَن مَجلِس الأمن الدُّولي تَحت الفَصل السَّابع وهُو أمر مُستبعَد لا بل شِبه مُستحيل، فإنَّ الكثير مِن القرَارات الصَّادرة تحتَ هذا الفَصل لم تُنفَّذ. وهو مَا أكّده العَديد مِن الخُبراء الّذين اعتبَروا أنَّ قَرارات مَجلس الأمن الدُّوَلي، التي من المُفترَض أن تكُون مُلزمة بمُوجب الفصل السَّابع مِن مِيثاق الأمَم المُتّحدة، لا تَحظَى دائمًا بِنَفس القَدر من الرَّغبة في التَّطبيق. وهُنا بَيت الأصِيل. إذ لا بُدَّ مِن التذكير بأنَّ مَجلس الأمن الدُّولي يتألَّف مِن خَمسة أعضاء دائمِي العُضوِية وهُم الولايات المتّحدة الأمِيركية، الصّين، رُوسيا، المَملكة المُتّحدة وفرَنسا إضافةً إلى عَشر أعضَاءٍ غير دائِمين تَنتخِبهم الجمعية العامّة للأمَم المُتّحدة لِمُدّة عامَين. ولا يُمكن صُدور أي قَرار فِيما لَو إستَخدَم أحَد الأعضَاء الدَّائمين حَق النّقض “الفيتو”. وهُو ما يَعني بِكل وُضوح أنّ قرَارات هذا المَجلِس هي ذات طَابِع سياسيٍ بامتيَاز وتَنفيذها رَهن بإرادة هَذه الدُّول وحُلفائها. فَمَن يَتهيّأ لَه أنَّ مَأساة الشُّعوب والنِّزاعَات المُسلَّحة الدَّموِية وانتهَاكات حُقوق الإنسَان والجرَائم الدُّولية هِي الدّافع لإصدَار مَجلس الأمِن الدُّولي لِقَراراته وهِي التي تُحدّد مَضمُونها يَعيشُ في المَدِينة الفاضِلة. فالمَصَالح السِّياسية والإقتصَادية والإسترَاتِيجِيَة والتَّحالُفات الدُّولية هي التي تَتحكَّم في قرارات مَجلس الأمن الدُّوَلي.
من هُنا، لا يُخفَى على أحَد بأنّ التحدّيات التي وَقَفت عَائقًا أمَام تَنفيذ القَرار 1701 على مَدار 18 عامًا، مَا زالَت نَفسها لا بل ازدادَت. فهل الدُّول الدَّائِمة العُضوِية مُستعدّة لتَعديل هَذا القَرار ورَبط عَدم تنفيذِه بِعقوباتٍ رادعةٍ؟ أَو عَلى الأقل هُل هُناك مِن إرَادة دُوَلية تَرغَب في إلزَام الأطرَاف ومُساعدتهم لتَنفيذ القَرار المَذكور أم أنّ هَذا الأخير سيَبقى دَواءً مُسكِّنًا لا عِلاجًا لِنزاعاتٍ دَموِيَةٍ مُدَمِّرةٍ؟