قال تعالى: ﴿…وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ اْلأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ…﴾ صدق الله العظيم. فالمؤمنون الربانيون، هم الذين يؤمنون بالغيبيات، ويثقون في وعد الله لهم بالنصر القادم، ولو بعد حين؛ فلا يهنوا، ولا يحزنوا لما أصابهم؛ حتى وإن عُظمت الانكسارات عليهم. فهم اْلأَعْلَوْنَ، الذين لا تلين عزيمتهم؛ لأنهم على الحق، يقاتلون بدافع عقدي، ويقاومون في سبيل الله، أعدائهم؛ الذين هم على الباطل، ويقاتلون في سبيل الشيطان!. ومن يقلب صفحات التاريخ الإسلامي، سيجدها مليئة بشواهد غلبة أهل الإيمان، في مواقف كثيرة؛ حينما نْصُرُوا الله، فنْصُرْهُمْ. وقد حدث هذا زمن المسلمين الأوائل؛ الذين استطاعوا، وهم قليلو العدد والعتاد، وبإمكانيات حربية بسيطة، أن يهزموا أقوى قوتين من حيث التقدم العلمي، وتقنيات الحروب آنذاك في الشرق والغرب؛ وهما الفرس والروم.
ولأن مبدأ الفئة القليلة، التي هزمت فئة كثيرة، هو ثابت عبر الزمان والمكان، إذ لا مبدل لكلام الله، كما أنه من الحقائق العلمية، القابلة، والخاضعة للتجريب والقياس، إيمانياً، لا بمقاييس المادة للشيطان والغرب؛ فإن أحفاد هؤلاء الصحابة، من الفلسطينيين – مشاريع الشهداء-؛ الذين نذروا أنفسهم، وعاهدوا الله على النصر أو الشهادة، في أرض الرباط والجهاد؛ يعيدون كتابة تاريخ ثقافة المقاومة، الشرعية فطرة، وديناً، وبالمواثيق الأممية، والقوانين الدولية، وبالإجماع العالمي – رغم محاولات شيطنتها من جانب الانهزاميين وأصحاب الأقلام المسمومة من المتصهينين من بني جلدتنا -، في مواجهة القوى الإمبريالية الغربية، والاحتلال الصهيوني، المدجج بترسانة عسكرية، وصواريخ متطورة، وأسلحة نووية، وجرثومية وكيماوية، وذرية، وغيرها من الأنواع الفتاكة؛ بينما سلاح الفلسطيني الحقيقي، هو إيمانه وثقته في وعد الله؛ و” عصا السنوار”؛ التي أصبحت ” ايقونة “.
لقد كانت ” عصا السنوار” رسالة للمقاومة الفلسطينية، بأن ثقافة طريق التحرر من الاحتلال، ليست مرهونة بمعادلة ” توازن القوى”. وإذا كان المُحتل دائماً صاحب التفوق العسكري نظرياً، وعملياً لديه القوة الشاملة من السلاح، والعتاد، والمعدات، والموارد؛ إلا أنه مع كل ذلك، لا يستطيع أن يحقق النصر الشامل، بإحكام سيطرته على كامل أرض فلسطين، ولا حتى إخضاع الشعب الفلسطيني؛ الذي يقاوم الاحتلال بأسلحة الإيمان في نصر الله، والإرادة الصلبة، وعدم الانكسار، والثبات على الحق، والتشبث بالأرض، مع التفنن في اختراع وسائل المقاومة المختلفة؛ والتي تنوعت، وتطورت منذ انتفاضة الفلسطينيين الأولى ( عام 1987 م.)، من الحجر، للسكين، والزجاجات الحارقة، والمقلاع، وجميعها وإن كانت أسلحة بدائية أولية؛ إلا أنها شكلت في مجملها حالة استنزاف مستمرة للاحتلال، منعته من الخلود للراحة، وأفقدته الشعور بالأمن؛ وأصبح كالثور الهائج، خشية لعنة الزوال.
ومن الأقوال المأثورة لفضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب- شيخ الأزهر: “إن كل احتلال إلى زوال إن عاجلًا أو آجلًا”. وفي الصراع الأبدي بين المقاوم والمحتل، لا تقاس النتائج، بالخسائر البشرية والمادية للمقاومين، طالما ظلت إرادتهم صلبة، بلا انكسار؛ وفي المقابل استنزاف الاحتلال نفسياً، ومعنوياً؛ حتى تأتي نهايته المحتومة، ويندحر؛ فيحمل عصاه ويرحل. وهكذا كان مسار نضال المقاومة الوطنية في جنوب أفريقيا، بزعامة المناضل الراحل الكبير نيلسون مانديلا، ونجحت بعد كفاح طويل، ورغم قلة تسليحها ومواردها، في إنهاء الفصل العنصري. والجزائريون، خاضوا نضال لمدة 130 عاماً ضد الفرنسيين، والمصريون دحروا الاحتلال الإنجليزي بعد سبعة عقود زمنية، وحصلت مصر على استقلالها، كما قاوم الصينيون البريطانيين، وانتصروا عليهم. وهكذا فعل الفيتناميين، والأفغانيين، والعراقيين، وكثيراً غيرهم ضد المُحتل، واجباره على جر ذيول الخيبة والهزيمة، والرحيل.
وطالما كان مآل الاحتلال إلى الرحيل والزوال دوماً؛ فلا ينبغي أن يظل الكيان الإسرائيلي استثناء من ذلك، في فلسطين ؛ وقد حان الوقت لتحريرها، وبحيث تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها ” القدس “. وبالتأكيد، فإن هذا التحرير، لن يتحقق بسهولة، وأنه سيحتاج إلى تضحيات كثيرة؛ والأهم أن تصاحبها رؤية وبصيرة نافذة، تأخذ بعين الاعتبار أهمية إعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل، وجلوس كافة الفصائل السياسية، وحركات المقاومة المسلحة، على طاولة الوطن، والاتفاق على إقامة وحدة حقيقية بين الفلسطينيين، في مواجهة الكيان الصهيوني الإسرائيلي، وإفساد مخططه في ابتلاع الأرض، وتهويد القدس، وإقامة مشروع الصهيونية العالمية ” دولة إسرائيل الكبرى”. وإعادة رسم خريطة للمنطقة، وإقامة الشرق الأوسط الجديد، بلا فلسطين؛ في حين يلعب فيه الكيان المحتل، دور القيادة، بحكم تفوقه التكنولوجي، ليضطلع بمهمة ملء الفراغ؛ الذي سيخلفه تراجع الالتزامات الأمريكية تجاه المنطقة.
ولعل هذا يكشف حجم المؤامرة، التي كانت تستهدف الوجود الفلسطيني، ومخطط تصفية ” قضية فلسطين”؛ والذي كان يجري تنفيذه بوتيرة متسارعة، على بساط التطبيع ” المجاني”. وتفجرت معركة ” طوفان الأقصى”، مع تجدد طقس ” المقاومة الفلسطينية”، المختزن في داخل نُفوسٌ الفلسطينيين، منذ ” اليبوسيين ” -شعب سامي نزح مع الكنعانيين من شبة الجزيرة العربية إلى بلاد الشام في خلال الألف الثالث ق.م.-، إلى “ثورة البراق ” – اشتباكات عنيفة اندلعت في مدينة القدس في 9 أغسطس عام 1929م.، أيام الانتداب البريطاني على فلسطين -، ثم “انتفاضة الحجارة” “، أو ” الانتفاضة الأولى” في (عام 1987م.) – كانت الحجارة هي الأداة التي استخدمتها المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي -. وتستمر “ثقافة المقامة” من أجل تحرير فلسطين؛ ولو بـ ” عصا السنوار”.
كاتب وصحفي مصري
Moiharby1968@yahoo.com