أصبحت المثلية الجنسية اليوم من القضايا البارزة على طاولة النقاش في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهذا يعكس مدى تأثير التغيرات الاجتماعية في الغرب على الخطاب السياسي. عندما يطرح موضوع مثل هذا في حوار مع مرشح لرئاسة أقوى دولة في العالم، فهذا ليس مجرد تفصيل، بل مؤشر على حجم التغيرات الثقافية والاجتماعية التي تتسرب إلى كل زاوية في المجتمع الأمريكي.
في الحوار الأخير مع دونالد ترامب، عُرض عليه السؤال حول موقفه من المثلية الجنسية، وكانت إجابته ضدها. لكن المثير هو أن القضية تتجاوز مجرد الآراء الشخصية لتصبح محورية في النقاش العام. الأمر لم يعد متعلقًا فقط بزواج المثليين الذي أصبح قانونيًا في الولايات المتحدة منذ عام 2015، بل إن التشريعات التي تمس حقوق المثليين والمتحولين جنسياً تتسع بشكل ملحوظ، وصولاً إلى قضايا حساسة مثل تشجيع الأطفال في المدارس على التفكير في تغيير جنسهم دون الرجوع إلى أولياء أمورهم.
أمريكا ليست مجرد دولة قوية سياسياً واقتصادياً، بل هي أيضًا قوة ثقافية عملاقة تمتد تأثيراتها إلى كافة أنحاء العالم. ومن خلال امتلاكها لشركات تكنولوجية رائدة مثل “ميتا” و”إكس” و”غوغل”، وسلاسل متاجر عالمية، وصناعة سينمائية ضخمة، تعمل على تصدير ثقافة “الحلم الأمريكي” بشكل دائم ومستمر. هذه التأثيرات طالت ثقافات عدة دول حول العالم، بما في ذلك الدول العربية التي تأثرت تدريجياً بالأنماط الثقافية الأمريكية.
في العالم العربي، وعلى الرغم من المحاولات المستمرة لبناء منصات اجتماعية أو صناعات ثقافية بديلة، فإن الفجوة لا تزال واسعة. ورغم التاريخ الثقافي لمصر كمركز للسينما في العالم العربي، إلا أن هذا التأثير تراجع، ولم تتمكن من مجاراة الثورة التكنولوجية التي تقودها أمريكا. ومع انغماس الدول العربية في الصراعات والديون، بات من الصعب أن تنافس في مجال التكنولوجيا أو تصدير ثقافة قوية تواجه هذا التأثير الأمريكي.
التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمعات الآن هو أن الثقافة الأمريكية، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الكثيرين حول العالم، بدأت تتحول إلى ما يمكن وصفه بثقافة تهديدية. هذه الثقافة لا تقتصر على نشر قيم المساواة والحرية الفردية، بل تتدخل في الأسس التقليدية للأسر والمجتمعات. حتى رئيس الولايات المتحدة السابق يحذر من تأثير هذه الاتجاهات على الأجيال القادمة.