في الآونة الأخيرة، طغت على الساحة العربية والعالمية مجموعة من الكتب والدراسات التي تحاول تفسير أسباب تصاعد الصراعات في البلدان العربية المتناحرة. من بين هذه الكتب، يبرز كتاب يسلط الضوء على مشروع استعماري جديد يسعى لإذابة الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى—اليهودية، المسيحية، والإسلام—في إطار “ديانة إبراهيمية” موحدة. يعتبر هذا المشروع محاولة ليس فقط لتطبيع الصهاينة مع المجتمعات العربية والإسلامية، بل لدمجهم بشكل أعمق في تلك المجتمعات.
يوضح الكتاب سبب تسمية اتفاقيات السلام الأخيرة بين الدول العربية وإسرائيل بـ”الاتفاقيات الإبراهيمية”، بدلاً من تسميتها تيمناً بالمدن التي عُقدت فيها الاتفاقيات، كما هو الحال في اتفاقيات دولية أخرى مثل “اتفاقية جنيف” أو “مؤتمر باريس”. الهدف من هذه التسمية، بحسب الكتاب، هو تعزيز المسار الإبراهيمي الذي يتجاوز الحدود السياسية بين الدول، ويمنح أتباع الديانات الإبراهيمية حق الحج وزيارة الأماكن المقدسة، مثل زقورة أور في محافظة ذي قار بالعراق، التي زارها البابا فرنسيس في عام 2021.
يتناول الكتاب أيضًا الدور الأمريكي في دعم هذا المشروع، مشيراً إلى أن الفكرة أُطلقت بعد خطاب الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب أمام الكونغرس الأمريكي عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، حين تحدث عن “خريطة العالم الجديد”. فقد أشارت هذه الخطبة إلى انتقال العالم من حقبة الصراع الأيديولوجي بين القطبين الأعظم (الشيوعية والديمقراطية) إلى مرحلة جديدة تتزعم فيها أمريكا، مع إسرائيل، تشكيل هوية “المواطن العالمي”.
من بين الاقتباسات الهامة التي يوردها الكتاب، نقتبس عن الباحثة المصرية في العلوم السياسية، د. هبة جمال الدين: “الكراهية التي تُستخدم ضد العرب بحجة نشأة الإرهاب الذي يستعمل الإسلام كستار؛ ما هو إلا صنيعة غربية؛ فعلينا أن نتساءل من يدعم داعش والقاعدة والنصرة وبوكوحرام وغيرهم؟ هل السيارات والمدرعات والأسلحة صنعتها الدول العربية؟ هل الدول العربية هي التي تتحدث عن الخروج الآمن لسفاحي داعش؟”.
هذا الاقتباس يسلط الضوء على دور القوى الغربية في تأجيج العنف والإرهاب في المنطقة، مؤكدةً على أن الدول العربية ليست المصدر الحقيقي لهذه الجماعات الإرهابية، بل هي أدوات في لعبة سياسية أكبر تديرها القوى العالمية.
كما يتطرق الكتاب إلى التكنولوجيا الحديثة ودورها في الصراعات الحالية، حيث يُظهر كيف أن التكنولوجيا الحديثة المدمجة في الأدوات العسكرية والأمنية تمكنت مثلاً من تفجير اجهزة البيجر عن بعد والتي كان يستخدمها حزب الله للاتصالات المؤمنة بين عناصره، او مثلاً الصواريخ الدقيقة الموجهة التي اغتالت شخصيات مثل أيمن الظواهري، كأنها تقدم براهين على التفوق التكنلوجي التي تمتلكها الدول الكبرى، وخاصة إسرائيل، في هذا المجال.
في ختام الكتاب، يُبرز المؤلف كيف أن هذا المشروع الاستعماري الجديد يلبس عباءة دينية، حيث يُصور الدين—الذي كان في قلب الصراعات على مر العصور— يمكن ان يكون كحلٍ لجميع تلك الخلافات أيضاً، في وقت تتزايد فيه التحديات البيئية وندرة الموارد. ما تحاول الباحثة ان تربطه في هذا الكتاب بين ثلاثية ” الدين والتكنولوجيا والبيئة ” هو علاقة طردية تفسر اهتمام القوى الكبرى بتحديث طرق الاستعمار، من خلال إذابة الأديان في دين واحد ومن يملك التكنلوجيا الحديثة قادر على السيطرة على الشرق الأوسط وأن كان سيرافق الدعاية الإعلامية لهذا الاستعمار هو السلام والاستقرار لمواجهة اخطار اكبر من الحروب تتمثل في خطر تغيير البيئة. الا أن هذه المساعي في ذات الوقت ستضمن توفير الموارد الطبيعية.
تتحدث الكاتبة عن استخدام تقنيات كثيرة لتنفيذ هذه المخطط الذي وضعته كنظرية بحثية في الكاتب، وتعطي مثال عن البيئة والتكنلوجيا مثلاً فحص الحمض النووي لإعادة الحقوق للأحفاد، كما في حالة الممثل الأمريكي صمويل جاكسون الذي مُنح الجنسية الغابونية بعد اكتشاف أن دماءه غابونية بنسبة 80٪، كلها جزء من هذه الخطة الشاملة لإعادة تشكيل العالم وفق ديانة موحدة وقيم التعايش المزعومة.
الكتاب يحمل بين طياته الكثير من التفاصيل والمعلومات التي تستحق التوقف عندها، فهو يقدم نظرة معمقة على السياسات العالمية ودور الدين والتكنولوجيا في تشكيل مستقبل المنطقة والعالم.