صدر للباحث عبيد الحليمي كتاب تحت عنوان “النظرية الواقعية في حقل العلاقات الدولية: دراسة لمتغيرات السياسة العالمية من منظور واقعية ميرشايمر الهجومية”، عن دار أكورا للنشر والتوزيع، الكتاب عبارة عن دراسة تأصيلية للواقعية السياسية وتطبيقاتها في النظام الدولي، خاصة سياسة القوى العظمى والتفاعلات المعقدة بالنظام العالمي خلال القرن الواحد والعشرين، مع التركيز على الواقعية الهجومية في تفسير السياسة الدولية وأبعادها على مستوى السياسة الخارجية للدول..
وينطلق المؤلف من الأسس النظرية للواقعية السياسية في حقل العلاقات الدولية، ويركز على الواقعية الهجومية لجون ميرشايمر من خلال إبراز مميزات قاموسها النظري الذي يستند على مفاهيم جديدة كالدول التعديلية والمياه المانعة للغزو والزيادة النسبية في القوة والهيمنة الإقليمية والكذب في السياسة الدولية، فضلا عن استحضارها لأبعاد أغفلتها الاتجاهات النظرية الأخرى كالإقليمية والجغرافية وبُعد السياسة الخارجية، وأيضا الأنظمة القطبية المتعددة وغير المتعددة، المتوازنة وغير المتوازنة…
ويقف الباحث على أبرز الإسهامات الواقعية منذ غابر الأزمان إلى حدود اليوم لغاية مقاربة التحولات في النموذج المعرفي الواقعي، أي منذ صن تزو وثيوسيديديس في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد وإلى حدود واقعية جون ميرشايمر الهجومية في العصر الراهن، مرورا بإسهامات مهمة لمفكرين ومنظرين واقعيين، كما ينتقل من مستوى في التحليل إلى آخر، فعندما يستحضر النظام الدولي ينتقل إلى مناقشة الأنظمة الإقليمية الفرعية، وحينما يتم الاستعانة بالواقعية الهجومية في تفسير السياسة الدولية ينتهي إلى الاسترشاد بالنظرية في السياسة الخارجية للدول، ناهيك عن أن محاججة سياسة القوى العظمى يسائل أيضا موقع القوى الصغرى بالنظام الدولي، ثم أن مقاربة بنية النظام الدولي يحيل على البنية الداخلية للدول؛ وهذا النقاش النظري يرتبط – منذ البداية – بواقع السياسة الدولية من خلال تقديم تطبيقات لتوازن القوى والصراع على القوة والسعي نحو النفوذ والهيمنة؛
ويدقق هذا الكتاب في مفهوم الفوضى الدولية عند الواقعية الهجومية، والذي لا يعني بأن النظام الدولي يتسم بالاضطراب واللاتنظيم، بقدر ما يعني بأن النظام الدولي تغيب عنه سلطة عليا فوق الدول، إذ على خلاف الدولة التي تمتلك الحق في استعمال العنف بشكل مشروع، فإن النظام الدولي فوضوي البنية، ويجب فيه التعامل مع الدول كصناديق سوداء، بصرف النظر عن أنظمتها السياسية وطبيعة سياستها الداخلية، أما المؤسسات الدولية والقانون الدولي فهما امتداد لقوة الدول التي وضعتها وهي مستويات لإبراز القوة بشكل أو بآخر..
ويتكون هذا الكتاب من حوالي 400 صفحة، موزعة على أربعة فصول، كل فصل منه يدقق في المسائل النظرية والتطبيقات العملية ذات الأهمية، فعلى غرار التأصيل التاريخي والفلسفي للواقعية السياسية، يطرح الفصل الأول مسألة الحوارات النظرية الكبرى بين نظريات العلاقات الدولية والحضور الملفت للواقعية السياسية في مختلف هذه النقاشات، فضلا عن إشارته لمختلف الاتجاهات الواقعية لما بعد بنيوية والتز، والتي تنتمي جلها للواقعية السياسية لكنها تختلف في بعض الجزئيات التي تقود في نهاية التحليل إلى نتائج متباعدة… وفي نفس السياق يبين الباحث في الفصل الثاني التباين الحاصل بين افتراضات ميرشايمر الهجومية مع بنيوية والتز والاتجاهات الواقعية لما بعده، ويعدد محدداتها النظرية والتجديدات المهمة التي قدمها ميرشايمر للواقعية.
ففي الوقت الذي كان الحديث عن نهاية الواقعية السياسية وتعرضها للكثير من الانتقادات من خلال القول بعدم قدرتها على التنبؤ بانهيار الاتحاد السوفياتي وبأن محدد التوازن في القوى الذي تستند عليه الواقعية لم يعد قائما بعدما تفردت الولايات المتحدة بقيادة النظام العالمي، فإن ميرشايمر أعاد من جديد الفكر الواقعي إلى الواجهة عبر نموذج يتسم بالحضور القوي في الحقل النظري بالعلاقات الدولية في العصر الحالي.
ويركز المؤلف في القسم الثاني من الكتاب على الواقعية الهجومية كنموذج تفسيري للسياسة الدولية عبر التركيز على القوى العظمى الفاعلة في النظام الدولي الحالي (الولايات المتحدة والصين وروسيا) وأيضا على مكانة القوى الكبرى والصغرى بواقعية ميرشايمر وحدود نظريته التي اغفلت من دائرة التحليل بعض القوى الدولية والمناطق الاستراتيجية العالمية، بينما يخصص الفصل الأخير للواقعية الهجومية كنظرية إرشادية للسياسة الخارجية للدول، ويقف الباحث على المقاربة التي يقدمها جون ميرشايمر لصناع القرار بالسياسة الخارجية الأمريكية وانتقاداته للهيمنة الليبرالية على السياسة الأمريكية، والتي تقودها الى التورط في الكثير من صراعات العالم، بينما يختم الفصل الأخير بالحديث عن السياسة الخارجية المغربية وما إذا كان ممكنا الاستفادة من القاموس النظري للواقعية الهجومية أم لا في السياق المغاربي.
وحسب الباحث فإن واقعية جون ميرشايمر الهجومية تركز على الصعود الصيني، لأنها المنافس القوي للولايات المتحدة في الوقت الحالي، بينما تتواجد القوى الأخرى في مرتبة أدنى من الصين، فإذا ما استمر اقتصاد الصين في النمو السريع، فإن قوتها الكامنة ستحولها إلى قوة عسكرية مهيبة، ومن المرجح أنها ستسعى إلى تحقيق الهيمنة الإقليمية على نصف الكرة الشرقي، بنفس الطريقة التي حققت بها الولايات المتحدة الأمريكية الهيمنة على النصف الغربي للكرة الأرضية، لهذا يحث ميرشايمر صناع القرار الأمريكي على الصين (فرض التوازن الخارجي) لغاية تجنب الاصطدام الوشيك مستقبلا بمنطقة شمال شرق آسيا، لأن طموح القوى العظمى هو تحقيق الهيمنة الإقليمية بمحيطها وأن تمنع قوى أخرى من تحقيق نفس المسعى بمجالها الجغرافي؛ كما يطالب الإدارة الأمريكية بالتركيز على بناء دولة قوية ومزدهرة في الداخل (التوازن الداخلي) بدل سياسة التدخل في جميع مناطق العالم؛