أن مسألة المنهجية تكتسب أهمية استثنائية وجوهرية عندما يتم التعامل مع قضايا متعددة الأبعاد وشديدة التشابك كما هو حال العلمانية، حيث من أهم تلك الأفكار الخاطئة هو ما يتعلق بإشكالية استبدال مصطلح العلمانية بمفهوم الدولة المدنية. إذ يمكننا القول أن الحقيقية المنهجية والفكرية أعمق من تلك الاستبدالية الزائفة. وبالتالي فأن تقويض المعنى ليس أكثر من محاكاة مقلوبة للوجه الآخر من الإشكالية أي إشكالية التطرف المستند إلى معرفة حتمية مغلقة؟
إذ أن هذه المرحلة الفكرية والسياسية الحرجة التي تمر بها الأمة العربية، تتطلب عدم اللجؤ إلى هذه الطرق غير المنطقية والتي تستهدف استمالة أرباب المنطق البسيط أو المتطرف، من خلال اللعب على المفردات والمفاهيم. فمن أجل بناء مجتع عربي خلاق، هنالك حاجة ماسة إلى التحلي بالمعرفة الرصينة وكشف الحقائق وتعريتها والالتزام بالفكر النقدي العقلاني. وفي هذا المجال من المهم بمكان ما وضع علامات استفهام حول كل من يحاول التوفيق (أو بالاحرى التلفيق) ما بين القرائن العلمية مع الانطباعات العاطفية والشعبوية الضيقة الأفق.
ولمحاولة فهم هذا الاستبدال، يمكن لنا الاستعانه بمفهوم الشك والفضول المعرفي. فالمعرفة لا تؤدي إلى يقظة، إذا لم يصاحبها حس تساؤلي حول هذا الاستبدال الذي يحتمل تعقيدات لا يمكن إلا فقط للتفكير النقدي كشف خلفياته وغاياته. فهذا الاستبدال يريد تزيف الحقائق، وهو لا يحتوي على أي أفق يمكننا الاستعانه بها من أجل تجاوز واقعنا العربي المرير. وعليه، وبدلاً من هذا الاستبدال الوهمي في المصطلح، يجب التحلي بالمسؤولية ومواجهة التحديات بشكل جلي وواضح. وهذا الأمر يتطلب طرح التساؤلات الجوهرية التالية:
- هل العلمانية هي معادلة نتيجتها صفرية حيث لا بد أن يربح طرف على آخر؟
- هل يمكن بناء مجتمع عربي حديث من خلال تأكيد أفكار وحقائق مشوهة؟
يبدو أن انتقاد من يخلطون الدين بالسياسة ويجعلون من أفكارهم الدينية طروحات مقدسة بات واقعاً أكثر تعقيداً. فعلى ضوء مقاربة المعطيات المعاصرة، وتحديدأ منذ مرحلة ما بات يسمى بالثورات العربية القائمة على أرضية من الفراغ الفكري (والتي بعد التجربة يتضح أنه لم يكن فيها يقين في أي شيئ)، فإن الاستمرار في هذا الاستبدال هو تعبير ودليل على أن: - هذا الصراع الفكري سوف يستمر إلى ما لا نهاية، فبكل بساطة بات كل شيء في مجتمعاتنا مقدس، حتى المذاهب والملل أصبحت مقدسة وكل آخر مختلف عن الآنا مرفوض شكلاً وجوهراً.
- بات التردي الاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي والثقافي، ناهيك عن معاناة ملايين العرب من الفقر والأمية والعتماد على الآخرين، هي مجرد قضايا ثانوية خارجة عن نطاق التقديس.
وبناء على ذلك يجب إنزال ذلك الخطاب المأزوم والذي تحولت معه مؤسساتنا ودولنا العربية إلى كانتونات مغلقة، تفصل بينهما حدود فكرية وثقافية ونفسية غارقة في الانحطاط والوهن. إذ أن ما يهددنا من مشكلات حاضرة أهم بكثير من التلاعب والالتفاف المفاهيمي. فلا مستقبل لمجتمعاتنا العربية التي تحاول الهروب من الواقع عبر اللجؤ إلى لعبة الاستبدال الزائف دون التمعن بعمق في الحقائق والأخطار. ووفقاً لذلك وباختصار يمكننا القول أن مقاربة الإشكالية على هذا النحو، هي الأشكلة بعينها.