دموع عربية متعارضة.. وحقيقة الأسئلة العربية الحرجة؟!

قد وقع الزلزال العربي الجديد، الذي كان يخشاه الجميع، اجتياح إسرائيل للبنان، بعد اجتياح وشبه إبادة لغزة، أشعل بعضنا طوفان الأقصى، ولكنه يكاد يحرقنا بشظاياه، وقنابله وصواريخه وأجهزة اتصاله.. إننا الضحايا يا سيدي! هذا يصرح عربي تحت الأنقاض في هذا الزمان.! دموع عربية متناقضة، تهلل في شارع عربي فرحا بموت حسن نصر الله وتصرخ بكاء في موضع آخر..! وتغيب الأسئلة الحرجة التي لا نواجه بها أنفسنا!.

لم تقف هذه الأسئلة عند إجابة الموت الحاسمة، بل توالدت منها، وكشفت انقسامات وثارات وكراهات عربية متبادلة، دموع الحزن في بيروت تلاحق دموع الفرح لدى اللاجئين السوريين فيها، وفي ريف دمشق! لم نعد ننتظر ردا إيرانيا المشغولة بمفاوضاتها النووية، والتي تكاد تعلن حيادها، صار جدلنا الصاخب بين الموتى والأحياء، على معنى الوطن والحياة، على سؤال العدو والصديق، بل- وسبق في ذلك مرشد الثورة الإيرانية- على سؤال هوية الحسيني واليزيدي بعد ثلاثة عشر قرنا من الفتنة الكبرى، تجددت الفتنة من جديد، حتى بعد أن اختفى الكثيرون- منا- تحت الأنقاض- في شوارع غزة وبيروت..! فاجأتنا سرعة إسرائيل وقدرتها، تأكدت لنا مبررات ثقتها في نفسها، وفي قدراتها، وأنها حقيقية وقادرة على استهداف وتصفية كل خصومها وأعدائها، في غزة ولبنان، لم ينتصر لهم أو لنا التعاطف العالمي غير المسبوق، من تظاهرات في كل عواصم العالم، مع جرائم الإبادة الجماعية التي يرتبكها اليمين الإسرائيلي.. لم تجد التصريحات المنددة بقتل المدنيين، فالعالم مشغول بانتخاباته وبأزماته الدولية، لم يعد للشرعية الدولية ومنظماتها ما كان لها في عقود ماضية!! هذه هي المصارحة الواقعية التي علينا أن نصارح أنفسنا بها، فدموعنا ودموع المتعاطفين معا لم توقف الدموع..
لكن لا نحتاج فقط شجاعة المصارحة بل أيضا شجاعة المصالحة والمراجعة داخل الوطن الواحد، وكيف نحافظ عليه، وكيف نؤمن بشراكتنا فيه، فليس الوطن أسيرا لحزب ولا حكرا على جماعة ذات أيدولوجية معينة، في فلسطين وغزة كما هو الحال مع حماس أو خصومها، أو حزب الله في لبنان، لأنه على العكس من تصريحات حماس بعد طوفان أكتوبر، وعلى العكس من تصريحات حزب الله في سبتمبر، وقع الهجوم ووقع الضحايا من كل فريق، وقد كان أكثر المنكرين لوقوع هذه الهجوم النوعي المدمر هو الراحل السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله، الذي تأكد مقتله واغتياله- بعد تصريح ونفي- يوم الجمعة الماضية 27 سبتمبر، مما كشف قوة وواقع الحزب الحقيقي، والذي تأكد أيضا أنه ليس بالقوة التي كان يشيعها عن نفسه، حيث خسر نخبة قادته، بما فيها أمينه العام، يبدو أنه انكسر العمود الفقري للحزب، خلال ساعات قليلة، وتدمرت معه لبنان كما تدمرت غزة..
باتساع الوطن، في غزة وفي بيروت، تبدو الدماء في كل بقعة.. ويشخص الدمار في كل موقع ومشهد.. حتى أمس الأول فقط 29 سبتمبر بلغ ضحايا آلة القتل الاسرائيلية المتفوقة- باعتراف الجميع الآلاف، من المصابين والقتلى، ونزح أكثر من مليون لبناني خارج منازلهم، وقد اتسعت الهجمات الإسرائيلية التي تسارعت خلال هذا الشهر، لتشمل محافظات الجنوب والنبطية والبقاع وبعلبك الهرمل وجبل لبنان إلى جانب الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، ما أدى إلى سقوط شهداء وجرحى، بينهم عدد كبير من المدنيين، يصفها في لغته الأدبية الأستاذ غسان شربل قائلا:

«جثثٌ تقيم تحت الأنقاض وبيوتٌ محروقة أو مهجورة. مليون نازح. رقم قياسي في تاريخ البلاد. بعضهم يفترشون الأرضَ في قلب العاصمة وينام آخرون في سياراتهم لتعذر العثور على سقف. كائنات معدنية قاتلة تجتاح الخريطة بكاملها. تنقل رائحة الموت إلى كلّ الجهات ومعها رائحة القلق والذعر».
لكن ماذا بعد مقتل نصر الله، هل يملك الحزب أو تملك حماس، شجاعة المصارحة والمصالحة، داخل الوطن الواحد، أم أن تصريحات قادته الأحياء والمرشح لخليفته توحي بغير ذلك..

يبدو المشهد الإقليمي متوترا ومرتبكا، ويبدو اللبناني والفلسطيني، بالخصوص، ومخيفا، بينما يراه رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي أنه الوقت لوقف إطلاق النيران، وإطلاق المفاوضات، لكن هذا مرتبط بالعدو واليمين الصاعد والمهيمن في اسرائيل؟

من جانبنا نحن العرب: هل نستطيع ترميم الدول المتصدعة والفاشلة، هل تستطيع الجماعات والميليشيات المسلحة، في لبنان واليمن وسوريا وفلسطين، وقد مر خلال هذا الشهر عشر سنوات على الاجتياح الحوثي للعاصمة صنعاء، المراجعة؟! هل يمكن التأسيس لواقع عربي جديد يدرك تحدياته ويواجه مخاوفه؟ أم أننا لا نملك إلا الدموع في جهة والتكفير والتخوين في جهة أخرى!

هل يعود الموالون لإيران والمتحركون وفق أجندتها لأجنداتهم الوطنية، هل سيتغير حزب الله بعد أن انكسر عموده الفقري؟ هل سيتغير وعي المقاومة بعد الطوفان؟ الذي ابتلعنا قبل أن يبتلع عدونا، ويكاد يخرج مزهوا بانتصاره.. إنها الأسئلة التي تعجز أمامها الإجابات ويعجز صدقنا عنها.