تعد مشكلة المخدرات من أهم ظواهر الحياة الاجتماعية المعاصرة في العراق اليوم؛ نظراً لما تمثله من خسارة بشرية، إلى جانب كلفتها المادية وتتعاظم مخاطر هذه الظاهرة في ظروف الأزمات والنزاعات المحلية، والأزمات الاقتصادية، إذ تتعرض بعض شرائح المجتمع وتحديداً الفئات الفقيرة، لأشكال متعدّدة من الانحراف والابتزازً، فقد ساهمت الظروف التي مر بها العراق بعد عام 2003 في تعريف تجارة المخدرات، وما يزيد من اتساعها أنها أصبحت تبني بغطاء فصائلي وحزبي، وذلك من أجل الحصول على عوائد مالية كبيرة لدعم النفوذ السياسي.
وإذ ما ألقينا نظرة على إجراءات الحكومة العراقية يمكن أن نلاحظ أن الثقل الأكبر قد وقع على عاتق المؤسسات الأمنية في مكافحة جرائم المخدرات، فهي المسؤولة على مراقبة الحدود والمنافذ، والتجار والمتعاطين، ومخولة بإلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم، وهو ما يستدعي جهداً كبيراً ووقتاً، وإمكانيات على كافة المستويات، فلم تنجح جهود احتواء هذه الظاهرة، وجاء ذلك بسبب ضعف التدابير الحكومية.
أولاً- التحديات الفردية.
تؤثر المخدرات على عدة أجهزة في جسم الإنسان وتؤدي لمشاكل، ومن أهمها:
- مشاكل القلب والجهاز الدوراني: تشمل هذه المشاكل العديد من الأمراض، كارتفاع الضغط، واعتلال عضلة القلب، وإصابة الصمّامات الداخلية بالعدوى، وفشل القلب.
- مشاكل الجهاز الهضمي: مثل التهاب البنكرياس، وإصابة الكبد بالالتهابات التي قد تتطور لتؤدي لتشمّع الكبدِ.
- مشاكل الجهاز العصبي: مثل فقدان الذاكرة، والهذيان، والتهاب الأوعية الدموية في الدماغ، والشعور المزمن بالصداع، والجلطات الدماغية.
- مشاكل الجهاز التنفسي: مثل تضيّق القصبات الهوائية، وارتفاع ضغط الرئتين، والقصور التنفسي بسبب الأمراض التنفسية المزمنة.
- الاضطرابات النفسية: يؤدي تعاطي المخدرات إلى اضطرابات شخصية، مما يؤثر سلبًا بسبب انتشار الجريمة.
ثانياً: الاثار الاجتماعية لتعاطي المخدرات.
يعد تعاطي المخدرات من المشاكل الاجتماعية الخطيرة التي تهدد السلامة والأمن الاجتماعيين ، وأصبحت تشكل تهديدًا وشيكًا يجتاح جميع البشر ، مع انعكاس آثارها في الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والصحية، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الآثار تنقسم إلى قسمين ، أولهما التأثيرات الاجتماعية المتعلقة بالعلاقة العامة للمدمن بالمجتمع ، والثاني ينشأ من خلال علاقة المدمن بالأسرة فالإدمان على المخدرات يجعل المدمن منبوذاً اجتماعياً ، وهذا يتجلى في علاقته بالآخرين ، سواء في مكان العمل أو مع الأصدقاء ، باعتباره منبوذاً اجتماعياً فيجعله ينتحر. أما بالنسبة لتأثير المخدرات على الأسرة ، فيتجلى ذلك بشكل رئيس في العلاقة بين الوالدين في المنزل ، وولادة أطفال مشوهين ، إلى جانب زيادة الإنفاق على المخدرات ، مما يحد من دخل الأسرة ويجعل التوترات بين افراد الأسرة وتعيش الأسر في جو من المشاكل الاجتماعية التي لا يمكن حلها وغالبًا ما ينتهي بها الأمر فقط في فقدان الأسرة وتفككها وهو ما ينعكس في المجتمع بدوره.
لهذا فإن ازدياد وتيرة بعض المشكلات الاجتماعية المركبة، مؤشر آخر من مؤشرات ازدياد تعاطی المخدرات، مثل حالات الانتحار والقتل والاغتصاب وجرائم العنف الأسري، والجرائم المنظمة ، لذا فإن مخاطر المخدرات على الصعيد الاجتماعي لا يعد مأساة المتعاطي وحده بل مأساة الأسرة والمجتمع بأكمله، نتيجة فقدان آلية الضبط والمرجعية في الأسرة، وانخراط المتعاطين في العصابات لتصبح مهدد لبنية المجتمع وقيمه الثقافية والأخلاقية والحضارية، فهي السبب الأول في التفكك الاجتماعي وإفساد قيمه الأخلاقية وعلاقته الأسرية وانتشار الأمراض الخطيرة مثل (الإيدز) إذ أشار برنامج الأمم المتحدة إلى أن تعاطي المخدرات بطريقة (الحقن) سبب رئيس لانتشار مرض الإيدز، كما تؤثر تجارة المخدرات على المستوى الاقتصادي للدولة كونها تضعف الاقتصاد القومي وبرامج التنمية نتيجة تدهور الكفاية الإنتاجية في المجتمع، وارتباطها بظاهرة غسيل الأموال وتهريبها، وتدعيم شبكات الفساد.
وعليه ، يمكن تحديد التأثير الاجتماعي للمخدرات على المجتمع من خلال الجوانب الأتية:
1- انتشار الجريمة: الإدمان على المخدرات هو أحد الموضوعات المتعلقة بالسلوك الإجرامي فهو بحد ذاته جريمة يعاقب عليها القانون ، فالجرائم المتعلقة بالمخدرات هي جرائم معقدة لها آثار اجتماعية خطيرة، إذ أن النتيجة الطبيعية لنقص الدخل لمتعاطي المخدرات بسبب البطالة وعدم القدرة على تلبية احتياجاتهم هو أن متعاطي المخدرات يواجهون جرائم ترتكب في أشكال ومظاهر معينة مثل الاحتيال أو خيانة الأمانة ، وفي هذه الحالة يجب أن يواجه أصحابها مخاطر أخلاقية كالتدهور الاجتماعي والتفكك الأسري ، مثل الزنا والطلاق ، وإهمال الأطفال ، وتعاطي الكحول.
2- الفساد الأخلاقي والاجتماعي: بينما تعد المخدرات نتيجة للفساد الأخلاقي، فهي في نفس الوقت تعد سببا لفساد القيم ، كما في بعض المجتمعات يفتقر المستخدمون إلى القبول الاجتماعي كعمل من أعمال عدم الاحترام بين الناس العداء والكراهية.
3- اعتلال صحة متعاطي المخدرات: أن تدهور صحة متعاطي المخدرات بسبب تعاطي المخدرات يؤثر على المجتمع حيث أن الفرد ليس منعزلاً عن المجتمع بل جزء من المجتمع يؤثر به ويؤثر فيه، فانتشار الأمراض الاجتماعية في المجتمع بسبب تعاطي المخدرات والحشيش مثل كالسلبية والتبعية والانتهازية وتعطيل شؤون الناس في المجالين العام والخاص سيؤثر على تقدم المجتمع وتطوره.
4- زيادة الحوادث المرورية: يعد تعاطي المخدرات والإدمان من الأسباب الرئيسة لزيادة معدل الحوادث المرورية مما يؤدي إلى زيادة عدد الوفيات والإصابات الخطيرة أو الإعاقات في المجتمع وارتفاع التكاليف المادية ومسؤوليات اجتماعية وخسارة اقتصادية قد لا يستطيع المجتمع تحملها.
ثالثاً- مقترحات وحلول.
1- تبني مجلس الوزراء جلسة طارئة يتم من خلالها تحديد مخاطر المخدرات على المجتمع العراقي على الصعيد الأمني والاقتصادي والسياسي والقيمي، وعرض الاحصائيات الكاملة والمتوافرة للمتعاطين والمتاجرين فيها، فضلاً عن توضيح حجم الجرائم المنظمة وغير المنظمة وبقية المظاهر السلبية التي ترتبط بمشكلة تعاطي المخدرات في المجتمع العراقي، مثل القتل والاغتصاب والسرقة والانتحار والتسول، والعنف الأسري، لتكون مؤشرات واقعية تدل على خطورة الوضع القائم.
2- يتم إعلان وجود حالة طوارئ حرجة بالنسبة لمخاطر المخدرات من حيث الرواج والتعاطي، وتقر هذه الحالة من قبل السلطة التنفيذية العليا وتعلن بشكل رسمي في جلسة مجلس الوزراء.
3- الترويج لهذا الخطاب في منصات الإعلام الرسمي بشكل مكثف وحث المواطنين على أخذه بنظر الاعتبار وبصورة جدية.
4- تكلف السلطة التنفيذية جميع الوزارات والوحدات المتصلة بمجلس الوزراء بضرورة تبني مؤسساتهم خطاباً يحذر ويجابه مشكلة تعاطي المخدرات ومتاجرتها. إذ يتم التنسيق مع شعبة مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية من أجل القيام بندوات تثقيفية داخل مؤسسات الدولة، وتوضيح مخاطر المخدرات، وسبل محاربتها وآليات التبليغ عليها.
5- الإيعاز إلى المؤسسة الدينية لتبني خطاب التوعية نحو مخاطر المخدرات في المجتمع تزامناً مع إعلانه من قبل السلطة العليا في الحكومة العراقية.
6- تخصيص أرقام خاصة يتم التبليغ من خلالها عن حالات متاجرة المخدرات أو تعاطيها، وترصد مكافأة بسيطة لكل من يبلغ عن تلك الحالات.
7- العمل على تأسيس مراكز تأهيل مدمني المخدرات في جميع المدن، وتزويدها بكوادر مختصة لمعالجة الحالات المتوافرة، فضلاً عن وضع أجهزة فحص الإدمان في جميع القطاعات الصحية.
8- إجبار الأشخاص المتقدمين لأي وظيفة معينة داخل الدولة العراقية في القطاع العسكري أو المدني أخذ مسحة لفحص الإدمان على المخدرات، واعتباره إجراءً إلزامياً في الفحص الطبي.
9- من زاوية الردع الاجتماعي تجاه مخاطر المخدرات، فهي تقتصر على بعض المحاولات في الجامعات من خلال القيام بالندوات التثقيفية والورش التي يقدمها قسم الإرشاد النفسي والتربوي بالتعاون مع الكليات لتقتصر على طلبة ومنتسبي الجامعات.
وبناء على ما ذكر يتضح إن جرائم المخدرات أصبحت خطراً حقيقياً يهدد أفراد المجتمع من مختلف الفئات، فالتعاطي والمتاجرة دخل إلى عمق المدارس والجامعات والمؤسسات الأمنية ذاتها، وبهذا الشكل فهي تمثل خطراً أمنياً صارخ على الأمن القومي والاجتماعي للمجتمع العراقي، ومهدد لتقويض قيم المجتمع ومستقبل شبابه الذين أصبحوا فريسة سهلة لتجار المخدرات، نتيجة للمشكلات الاقتصادية وضعف فرص العمل.