إشكاليات الهجرة والديمغرافيا في أوروبا

إن التحديات المرتبطة بالتطورات الديموغرافية ومنطق تدفقات الهجرة من أهم الاتجاهات التي ستحدد مستقبل أوروبا، وهذا سيكون له تداعيات ستسفر عنها منظومة متكاملة من التغيرات الجذرية على مستوى هوية المجتمعات الأوروبية أو على مستوى الاستقرار الأمني. وفي هذا السياق يبدو أن الحاجة أصبحت ملحة لإيجاد أفكار جديدة حول ما يتعلق بفهم مستقبل أوروبا الديمغرافي والثقافي. فإمكانية واقع انقراض الشعوب والثقافات عملية ليست مستحيلة، بل ممكنة وهي ثابتة تاريخية وواضحة للعيان وغير قابلة للنقاش. وهذه الفكرة لا بد من استحضارها عند محاولة مقاربة إشكالية انخفاض معدل المواليد في أوروبا إلى ما دون مستوى الإحلال.
هنا يجب علينا محاولة الكشف عن الديناميات والنتائج من جراء تدفقات الهجرة والتحول الدراماتيكي في المشهد الديموغرافي الأوروبي. فهنالك قدراً هائلاً من التحولات الثقافية والمعايير السياسية، التي من شأنها أن تعمل على إعادة تشكيل المستقبل، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً مع المسار الشائك للقضايا التالية:

  • المساواة بين الهجرة والاندماج والتضامن الاجتماعي.
  • الإرهاب والأمن القومي.
  • التعددية الثقافية وحقوق الإنسان.
  • الديموغرافيا ودولة الرفاه.
    وفقاً لذلك وبناءاً على كيفية التعامل مع العلاقات المتداخلة في القارة الأوروبية بين كل من الديمغرافيا والسياسة والثقافة والاقتصاد والأمن وحقوق الإنسان يمكن لنا طرح الإشكاليات التالية:
  1. هل ينبغي أن ينظر للهجرة باعتبارها قضية أمن ثقافي أم مسألة تنافس اقتصادي؟ وأين هي حدود الأمن الديمغرافي الثقافي؟ وأين تبدأ حدود المصالح الاقتصادية وأين تنتهي؟
  2. هل أوروبا على استعداد للرضوخ لفكرة أو ثقافة إعطاء الحقوق للإقليات التي تتضح معالمها الثقافية يوماً بعد يوم وذلك مع ازدياد نسبة المهاجرين داخل المجتمعات الاوروبية؟
  3. هل تضمن أوروبا عدم زعزعة أمنها القومي والسياسي عن طريق محاولة اختراق دول أخرى لمجتمع الاقليات والتي تربطها بها صلات قومية أو دينية؟ على سبيل المثال لا الحصر: كيف يمكن التعامل مع إمكانية استخدام تركيا لنفوذها داخل الأقلية التركية من أجل تحقيق أهداف أمنية وسياسية في ألمانيا؟ وكيف تستطيع فرنسا مواجهة عصيان الضواحي في حال تم استغلالها من أطراف خارجية لزعزعة الاستقرار؟
    من الواضح أن تلك الإشكاليات باتت تتطلب استنباط نظريات جديدة على صعيد مقاربة قضايا الهجرة والتعددية الثقافية. وبالتالي فإن إشكاليات الديموغرافيا وما تحتوي من معضلات جديدة لأوروبا لا يمكن فهمها دون وجود نوع جديد من التحليل السياسي والثقافي، والتي ربما من خلالها يمكننا معرفة كيف ستواجه النخب السياسية الأوروبية كل هذه المعضلات؟