محور صلاح الدين وموقف نتنياهو

يصر نتنياهو على البقاء في محور صلاح الدين الحدودي بين غزة ومصر أو المسمى بمحور «فيلادلفيا» ويدعي أن السبب هو منع تهريب الأسلحة عبر مصر إلى غزة، وحتى لو افترضنا أن هناك تهريبا فإن التهريب لا يتم من فوق سطح الأرض وبالتالي يدرك نتنياهو أن بقاءه في هذا المحور لا يمكن أن يحل مشكلة الأنفاق، ولهذا فإن نتنياهو يريد البقاء في المحور الحدودي لأسباب لا تتعلق بشكل أساسي بوقف التهريب.
وفي هذا السياق خرج نداف أرغمان الذي شغل منصب رئيس الشاباك بين 2016 و2021 عن صمته وقال إنه حان الوقت لشرح الحقيقة للإسرائيليين بأنه ليس هناك أي صلة بين الأسلحة الموجودة في قطاع غزة ومحور فيلادلفيا خاصة أن نتنياهو ادعى في مؤتمره الصحفي الأخير أنه يتم تهريب السلاح إلى غزة من خلال محور فيلادلفيا.
إن السبب الحقيقي وراء البقاء في محور صلاح الدين «فيلادلفيا» ووراء كل العقبات والعصي التي يضعها نتنياهو في دواليب جهود الوسطاء للتوصل لصفقة وقف إطلاق نار هي هدفه المتمثل بالبقاء في الحكم مهما كان الثمن وحتى لو كان ذلك مقتل مزيد من الأسرى الإسرائيليين من خلال عمليات القصف التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في غزة.
لقد أعطى بنيامين نتنياهو تعليماته للجيش الإسرائيلي للدخول لمعبر رفح ومحور فيلادلفيا بعد صياغة بنود وقف إطلاق النار الأولية التي قبل فيها الانسحاب الكامل من قطاع غزة وهو ما أعلنه حتى الأمريكان بكل وضوح. حاليا يثار أن الأمريكان يريدون طرح مقترح جديد ينص على إبعاد قوات الجيش الإسرائيلي إلى شرق محور فيلادلفيا وهو الأمر الذي يتوقع أن نتنياهو سيرفضه أو سيجتهد في البحث عن عوائق جديدة لكي يضعها في دواليب المفاوضات التي يريد لها أن تظل متعثرة.
إن هذا الشريط الضيق الذي يمتد على طول 14 كيلومترا والذي يصر نتنياهو على البقاء فيه من أجل تعطيل المفاوضات يمكن أن يكون الشريط الذي يلتف على عنق نتنياهو مرة أخرى ففي الفترة بين عام 2000 و2005 كان محور فيلادلفيا شاهدا على مئات عمليات المقاومة كان منها عدة عمليات تاريخية وبارزة تم استخدام تكتيك الأنفاق فيها لأول مرة ومنها انتشر كأسلوب عمل للمقاومة في كل مناطق قطاع غزة، واليوم ترى وكالة بلومبرج أنه بعد حرب الأنفاق التي قادتها حماس في غزة سيكون القتال تحت الأرض هو وسيلة مستقبلية ستلجأ لها العديد من الدول.
ومن العمليات الشهيرة للمقاومة والتي تمت على محور صلاح الدين عملية تفجير بوابة صلاح الدين أو موقع ترميد كما يسميه الجيش الإسرائيلي وكانت هذه أول عملية تستخدم فيها المقاومة نفقا صغيرا لوضع متفجرات تحت مبنى عسكري، ثم جاءت عملية تفجير موقف حردون جنوب مخيم يبنا كما تم تدمير ناقلة جند إسرائيلية في ذات المكان في عام 2004 وقتل كل الجنود الذين كانوا على متنها واشتهرت الحادثة بصور الجنود الإسرائيليين يجثون على ركبهم لجمع أشلاء رفاقهم الذين قتلوا في تدمير ناقلة الجند، بعد ذلك وقعت عملية براكين الغضب في ثكنة عسكرية في معبر رفح وقتل حينها 7 جنود إسرائيليين وغنمت المقاومة حينها سلاحا ثقيلا في العملية.
كل هذا ونحن نتحدث عن العام 2004 أي في وقت كانت فيه المقاومة ضعيفة جدا مقارنة بقوتها اليوم وبالتالي فإن نتنياهو بهذه القرارات المتعنتة يعمل على زيادة الاحتجاجات الداخلية ضده، ويعمل على زيادة عزلة دولة الاحتلال الخارجية، ويجعل جنوده هدفا ثابتا للمقاومة في محور فيلادلفيا مما سيؤدي لسخط الجيش عليه، وكلما تعنت نتنياهو زاد ضعف دولة الاحتلال وفقدت تدريجيا أوراق قوتها وهو ما يعني في الواقع أن نتنياهو يصر على هزيمة إسرائيل وليس على انتصار حاسم.
في الختام كما أن كلمة محور تعني تلاقي الحدود فإنها في اللغة تعني أيضا الحديدة التي تدور عليها البكرة ويبدو أن محور صلاح الدين «فيلادلفيا» هو البكرة التي تدور عليها حياة نتنياهو السياسية وربما يجر معه أشياء أخرى أكبر.