منذُ أطلاق كريستانيو رونالدو لاعب كرة القدم البرتغالي قناته على يوتيوب(UR Cristiano) في تاريخ 21 آب 2024، استطاع الحصول على أكثر من 50 مليون مشترك، وهذا يمثل إنجازًا تاريخيًا باعتباره أسرع فرد يحصل على هذا العدد الهائل من المشتركين خلال أسبوع واحد فقط. وبالتالي هذا النسق الجديد من الثأثير والنفوذ يؤكد على محورية الأفراد، باعتبارهم أحد أهم الأصول الثابته وأكثرها حساسية على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي. ولتوضيح مدى قدرة الأفراد على إحداث نوع من التغيير الذي يمكن الاستفاده منه، يمكننا الإشارة هنا إلى التأثير العالمي لكريستيانو رونالدو، والذي يُعتبر نموذج يؤكد على إمكانية الأفراد المؤثرين وضع كثير من القوى في موضع المساءلة. وهنالك الكثير من الأمثلة التي تؤكد ذلك، ومنها
1- في بطولة أوروبا لكرة القدم عام 2020 ، أزال رونالدو في مؤتمر صحافي مشروب كوكا كولا (الراعي الرسمي للبطولة) من أمامه للتشجيع على شرب الماء للحفاظ على الصحة. مما أدى إلى انخفاض قيمة أسهم الشركة وتعرضها لخسائر بلغت نحو 4 مليارات دولار.
2- تعرضت أسهم نادي مانشستر يونايتد في البورصة إلى خسائر مالية نتيجة التصريحات الناقدة بشدة لأدارة النادي من قبل كريستيانو رونالدو في تشرين الثاني 2022، ناهيك عن اهتزاز صورة وسمعة النادي مما أدى إلى تصريح مالكين النادي عن وضع فكرة بيع النادي ضمن أولوياتهم.
3- ارتفاع قيمة أسهم نادي مانشستر يونايتد في البورصة بما يقارب 212 مليون جنية استرليني بمجرد الأعلان عن التعاقد مع كريستيانو رونالدو في آب 2021.
4- لقد اختيرت جزيرة ماديرا مسقط رأس كريستانو رونالد باعتبارها “أفضل جزيرة في أوروبا” بين عامي 2013 _2021 (باستثناء عام 2015) ، بالإضافة إلى “أفضل جزيرة كوجهة سياحية في العالم” في الفترة 2015 _2021. وذلك نتيجة التأثير الإيجابي لشهرة الاعب البرتغالي على السياحة. حيث ويتضح أن الفترة الزمنية التي حصلت فيها ماديرا على هذه الجوائز تتزامن مع زيادة كبيرة في عدد متابعي CR7 على شبكات سائل التواصل الاجتماعي.
5- مع انضمام كريستيانو رونالدو الى نادي نادى النصر السعودى في نهاية العام 2022 ارتفع عدد متابعي النادي على إنستجرام إلى ما يصل 13 مليون متابع خلال شهر فقط بعدما كان العدد أقل من مليون متابع. وحالياً وصل إلى حوالي 27 مليون متابع، ليتفوق على العديد من حسابات أهم الأندية العالمية الكبرى أو حتى المنتخبات.
6- الحسابات الشخصية للاعب كريستيانو رونالدو هي أكثر الحسابات تأثيراً ومتابعة على مواقع التواصل الاجتماعي من حسابات المؤسسات والحكومات أو القيادات السياسية أو حسابات الشركات والمنظمات الخاصة. فمثلاً، يصل حالياً عدد متابعي كريستيانو رونالدو حوالي 640 مليون متابع على منصة الانستغرام فقط. وحوالي 113 مليون متابع على منصة تويتر (X)، ناهيك عن 170 مليون متابع على موقع الفيسبوك.
انطلاقاً من ذلك، ووفقاً لإستراتيجية واضحة المعالم، يمكن أن تتعاون الدول والأمم المتحدة وكافة المؤسسات والمنظمات المعنية بالحوكمة المستدامة مع كريستيانو رونالدو، وجميع الأفراد الأخرين المؤثرين، من خلال الاستفادة من تاثيرهم على شبكات التواصل الاجتماعي من أجل الوصول إلى المزيد من الحوكمة المستدامة الأكثر فعالية. بما في ذلك تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 (SDGs) التي تشمل بناء المؤسسات القوية، مكافحة التغير المناخي والقضاء على الفقر، الحد من أوجه عدم المساواة،…الخ.
وفي هذا السياق، يبدو أن أكثر ما تخشاه قوى الفساد والاحتكار حالياً هو مواجهة ذلك النسق من المعايير الجديدة التي تتجاوز رتابة وعدم فعالية المعايير السياسية التقليدية. فإذا كانت القوى السياسية غير قادرة أو عاجزة بقصد في مواجهة نفوذ تلك القوى، يمكن للأفراد، كمستهلكين وكمستثمرين وكمواطنين، فعل ذلك وعلى نحو عملي وأكثر إيجابية، مقارنة بما تستطيع السلطات السياسية فعله أو ربما عدم رغبتها في فعله.
ولأن شبكات التواصل الاجتماعي باتت تشكل إحد أهم مميزات العصر الحالي على صعيد التأثير والضغط العابر للحدود، فهذا يؤكد على أهمية الاستفاده من دور الأفراد المؤثرين على مستوى إمكانية تحقيق الحوكمة المستدامة بكافة تجلياتها. إذ أن تأثير هؤلاء الأفراد سيكون حتماً في المستقبل جزءاً مهماً من المشهد الثقافي والسياسي والاقتصادي العالمي.
وبالتالي، وفي إطار التحولات الجذرية الحاصلة على مستوى المعايير وأكثر الأساليب السياسية تأثيراً، وفي مقدمتها سيطرة أيدلوجية الأعلام والشهرة، يجب عدم الاكتفاء باستخدام المصادر التقليدية للحصول على النفوذ والتأثير. فهنالك المصادر الناعمة -إذا جاز التعبير- التي بات لها قدرة كبيرة على التوجيه والتأثير. وربما تكون هنا كرة القدم من أكثر المجالات الناعمة قدرة على صناعة التأثير على المستوى العالمي. . وهنا لا بد من التساؤل:
إلى إي مدى يمكن أن يتحمل الأفراد المؤثرون المسؤولية الأخلاقية ويتبنوا أفكار الحوكمة المستدامة، بدلاً من الاندماج في منظومة استثمارية وتسويقية عالمية لا غاية لها سوى تحقيق الأرباح المالية ونشر ثقافة الاستهلاك وتشيء الأشياء؟
مؤلف وباحث في العلاقات الدولية