أخطار الاستثمارات المفرطة في الذكاء الاصطناعي

نبه الرئيس التنفيذي لشركة “ألفابت” سوندار بيتشاي، في إعلان المداخيل في الشهر الماضي، أن “أخطار خفض الاستثمار تفوق كثيرا أخطار الإفراط في الاستثمار”. وكان حديثه، مثله مثل كثير من المديرين التنفيذيين في الوقت الحاضر، يدور حول الذكاء الاصطناعي، وتحديدا عن بناء مزيد من مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي لخدمة عملاء ذراع الحوسبة السحابية التابعة لهذه الشركة التكنولوجية العملاقة. وينطوي ذلك على مبالغ مذهلة.

من المتوقع أن يرتفع الإنفاق الرأسمالي لشركة “ألفابت” نحو 50 في المئة السنة، ليصل إلى 48 مليار دولار. وسينفق قسم كبير من ذلك على أجهزة متعلقة بالذكاء الاصطناعي.

لا يقتصر الأمر على السيد بيتشاي، إذ تقدر شركة التحليل، “نيو ستؤيت ريسيرتش”، أن “ألفابت” و”أمازون” و”ميتا” و”مايكروسوفت” ستنفق مجتمعة 104 مليارات دولار على بناء مراكز لبيانات الذكاء الاصطناعي في السنة الجارية. وإذا أضفنا إلى ذلك إنفاق شركات التكنولوجيا الأصغر والصناعات الأخرى، يمكن أن يصل الإنفاق الإجمالي على مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي بين 2024 و2027 إلى 1.4 تريليون دولار.
إن حجم هذا الاستثمار، بالإضافة إلى عدم اليقين المتعلق بجني الثمار ومتى، يثير قلق المساهمين. ففي اليوم التالي لصدور نتائج “ألفابت”، انخفض مؤشر “ناسداك” لشركات التكنولوجيا بمقدار 4 في المئة، وهو أكبر انخفاض في يوم واحد منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022. وسيتفحص المحللون النتائج ربع السنوية لـ”أمازون” و”مايكروسوفت”، أكبر شركتين للحوسبة السحابية في العالم، لاستخلاص أدلة في شأن أدائهما في مجال الذكاء الاصطناعي.

لا يبدي عمالقة التكنولوجيا في الوقت الحالي ميلا إلى تقليص استثماراتهم، كما تُظهر تصريحات بيتشاي. وتلك أخبار طيبة لكثير من الموردين المستفيدين من الطفرة. فقد تصدرت شركة صناعة رقائق الذكاء الاصطناعي “إنفيديا”، التي أصبحت في يونيو/حزيران الماضي أكبر الشركات قيمة في العالم لمدة وجيزة، معظم العناوين الرئيسة. لكن سلسلة إمداد الذكاء الاصطناعي أوسع بكثير. فهي تشمل مئات الشركات، من شركات صناعة الخوادم التايوانية وشركات الهندسة السويسرية إلى شركات المرافق الكهربائية الأميركية. وقد شهد كثير منها فورة في الطلب منذ إطلاق “تشات جي بي تي” في سنة 2022، لذا فإنها تستثمر وفقا لذلك. وبمرور الوقت، قد تصبح مفرطة التوسع بسبب الاختناقات في العرض أو تراجع الطلب.
يمكن تقسيم استثمارات الذكاء الاصطناعي قسمين على العموم. نصفها يتوجه إلى صانعي الرقائق، وتعد “إنفيديا” المستفيد الرئيس من بينها. أما الباقي فيتوجه إلى صانعي الأجهزة التي تحافظ على عمل الرقائق، من أجهزة الشبكات إلى أنظمة التبريد.

“إنفيديا” استأثرت بنحو ثلث الارتفاع

ولتقييم ما يحدث على طول سلسلة إمداد الذكاء الاصطناعي، تفحصت مجلة “الإيكونومست” مجموعة من نحو 60 من تلك الشركات. وتبين أن متوسط أسعار أسهم الشركات في العالم ارتفع منذ بداية سنة 2023 بمقدار 103 في المئة، مقارنة بارتفاع مقداره 42 في المئة في مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” للأسهم الأميركية. وفي تلك المدة، ارتفعت مبيعاتها المتوقعة لعام 2025 بمقدار 14 في المئة في المتوسط، مقارنة بارتفاع مقداره 1 في المئة في الشركات غير المالية، باستثناء شركات التكنولوجيا، في مؤشر “ستاندرد أند بورز 500”.
كانت أكبر الشركات المستفيدة تلك التي تصنع الرقائق والخوادم. واستأثرت “إنفيديا” بنحو ثلث الارتفاع المتوقع في مبيعات المجموعة. ومن المتوقع أن تبيع ما قيمته 105 مليارات دولار من رقائق الذكاء الاصطناعي والأجهزة ذات الصلة في السنة الجارية، مقارنة بـ 48 مليار دولار في سنتها المالية الأخيرة. ومن المرجح أن تبيع “إيه إم دي”، أقرب الشركات المنافسة لها، ما قيمته نحو 12 مليار دولار من رقائق مراكز البيانات هذا العام، بعدما كانت 7 مليارات دولار. وفي يونيو/حزيران، قالت “برودكوم”، وهي شركة أخرى مصنعة للرقائق، إن إيراداتها ربع السنوية من الذكاء الاصطناعي قفزت بمقدار 280 في المئة في السنة، لتصل إلى 3.1 مليارات دولار. وهي تساعد العملاء، بمن في ذلك مزودو خدمات الحوسبة السحابية، في تصميم رقائقهم، وتبيع أيضا معدات الشبكات. بعد ذلك بأسبوعين، قالت الشركة المصنعة لرقائق الذاكرة “ميكرون” إن إيراداتها من مراكز البيانات قفزت أيضا بفضل الطلب المتزايد على الذكاء الاصطناعي.
تحقق الشركات التي تصنع الخوادم أرباحا كبيرة أيضا. فقد قالت شركتا “دل” و”هيولت باكرد إنتربرايز” في إعلانيهما للمداخيل اخيرا إن مبيعات خوادم الذكاء الاصطناعي تضاعفت في ربع السنة الماضية. وفي مايو/أيار، قالت “فوكسكون”، الشركة التايوانية التي تجمّع الكثير من أجهزة “آيفون” التي تنتجها “أبل”، وتنتج الخوادم أيضا، إن مبيعاتها الخاصة بالذكاء الاصطناعي تضاعفت ثلاث مرات في السنة الماضية.

تشهد شركات أخرى ارتفاعا في الاهتمام، حتى إذا لم تتحقق مبيعات جديدة بعد. فقد قالت الشركة الأميركية المصنعة للآلات الصناعية “إيتون” إنها شهدت في السنة الماضية ارتفاعا يزيد على أربعة أضعاف في استفسارات العملاء عن منتجاتها الخاصة بمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي في أميركا. يمكن أن تحتاج خوادم الذكاء الاصطناعي إلى نحو عشرة أضعاف الطاقة التي تحتاج إليها الخوادم التقليدية. واخيراً اعترف إيرل أوستن جونيور، رئيس “كوانتا سيرفسيس”، وهي شركة تصنع معدات للطاقة المتجددة والنقل، بأنه تفاجأ من الارتفاع الكبير في الطلب على أعمالها الخاصة بمراكز البيانات. وأشارت “فيرتيف”، الشركة التي تبيع أنظمة التبريد المستخدمة في مراكز البيانات، في أبريل/نيسان إلى أن مجموعتها من مشاريع الذكاء الاصطناعي ارتفعت ما يزيد على الضعفين خلال شهرين.
كل هذا الاهتمام يحدث مزيدا من جنون الاستثمار. ومن المتوقع هذا العام أن يرفع نحو ثلثي الشركات في عينة “الايكونوميست” نفقاتها الرأسمالية، في مقابل المبيعات، فوق متوسطاتها في خمس سنوات. وهناك كثير من الشركات التي تبني مصانع جديدة. ويشمل ذلك الشركة التايوانية التي تصنع الخوادم “ويوين”، وشركة “سوبرميكرو” الأميركية، وشركة “لومنتوم” الأميركية البائعة لكابلات الشبكات المتقدمة. وكثير منها ينفق المزيد على البحث والتطوير أيضا.

الاستثمار عبر الاستحواذ على الشركات
تستثمر بعض الشركات من طريق الاستحواذات. ففي هذا الشهر، قالت “إيه إم دي” إنها ستشتري الشركة الناشئة “سيلو إيه آي”، لتعزيز قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي. وفي يناير/كانون الثاني، أعلنت شركة “هيولت باكرد إنتربرايز” إنها ستنفق 14 مليار دولار لشراء شركة الشبكات “جونبر نتووركس”. وفي ديسمبر/كانون الأول، أعلنت “فيرتيف” شراء شركة “كولتيرا” المتخصصة في التبريد السائل. وتأمل الشركة أن يساعدها ذلك في رفع إنتاجها من تكنولوجيا التبريد السائل بمقدار 45 ضعفا.

لكن مع تزايد الإنفاق، تتصاعد التهديدات التي تواجه سلسلة إمداد الذكاء الاصطناعي. ومن المشكلات الاعتماد الشديد على “إنفيديا”. وقد أشار بارون فونغ من مجموعة “دلورو” للأبحاث إلى أن انتقال “إنفيديا” من إطلاق رقيقة جديدة كل سنتين إلى كل سنة، جعل سلسلة الإمداد بأكملها تسارع إلى بناء خطوط إنتاج جديدة للوفاء بالجداول الزمنية المتسارعة. وتعتمد مبيعات كثير من الشركات في سلسلة إمداد الذكاء الاصطناعي في المستقبل على إرضاء أكبر شركة مصنعة للرقائق قيمة في العالم.

تشكيك في حكمة هذا الانفاق الهائل
يرجع تهديد آخر إلى اختناقات العرض، لا سيما في توفر الطاقة. وثمة تحليل أجرته شركة الوساطة “بيرنشتاين” ينظر في سيناريو تُستخدم فيه أدوات الذكاء الاصطناعي في سنة 2030 بقدر ما يُستخدم “غوغل” للبحث اليوم. وذلك سيرفع نمو الطلب على الطاقة في أميركا إلى 7 في المئة سنويا، مقارنة بـ 0.2 في المئة بين سنتي 2010 و2022. وسيكون من الصعب بناء هذا القدر الكبير في سعة الطاقة بسرعة. ويشير ستيفن بيرد من بنك “مورغان ستانلي” إلى أن الاتصال بالشبكة في كاليفورنيا، حيث يمكن بناء كثير من مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، يستغرق ما بين ست وعشر سنوات.