دراسة: كيف عصف طوفان الأقصى بالاقتصاد الإسرائيلي؟

تسببت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بآثار اقتصادية واسعة النطاق، فقد كشفت دراسة حديثة عن العديد من التداعيات المالية والاقتصادية على الاقتصاد الإسرائيلي.

ونشر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات تقريرًا مفصلًا يسلط الضوء على تكلفة الحرب وتداعياتها على مختلف القطاعات الاقتصادية في دولة الاحتلال.

تكلفة الحرب
وصلت تكلفة الحرب إلى أرقام كبيرة، وتشير التقديرات إلى أن إجمالي تكلفة الحرب على غزة بلغت ما يزيد على 60 مليار دولار حتى الآن. هذه التكلفة تشمل النفقات العسكرية والمدنية التي تتضمن عمليات التجهيز العسكري والنفقات اللوجستية وإعادة الإعمار في المناطق المتضررة داخل إسرائيل.
وذكر مؤلف الدراسة الدكتور عبد الله الغزاوي أن الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل قد انخفض بنسبة 1.4% في الربع الأول من عام 2024 مقارنة بالربع المقابل من العام السابق، إذ تراجع من 420 مليار دولار إلى 414 مليار دولار.

كما انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.1%، من 36 ألف دولار إلى 34.9 ألف دولار، وذلك يعكس حجم التأثير السلبي للحرب على الاقتصاد.

تراجع التصنيف الائتماني وتدهور الشيكل
وأثر العدوان أيضًا على التصنيف الائتماني لإسرائيل، فقد خفضت وكالة “موديز” التصنيف الائتماني لدولة الاحتلال إلى “إيه 2” مع نظرة مستقبلية سلبية.

بينما توقعت وكالة “ستاندرد آند بورز” أن يتسع العجز الحكومي العام إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، مقارنة بـ5.5% في عام 2023.

وأدى ذلك كله -وفقا للدراسة- إلى زيادة تكاليف الاقتراض، إذ ارتفعت معدلات الفائدة على السندات الحكومية من 3.5% إلى 4.2%.
كذلك انخفضت قيمة الشيكل إلى أدنى مستوياته مقابل الدولار في السنوات الثماني الأخيرة، حيث بلغت قيمة الدولار 3.85 شياكل في بداية 2024، ولكنها ارتفعت إلى 4.20 شياكل في نهاية يوليو/تموز 2024، مما زاد من تكلفة الاستيراد وأثر سلبًا في الأسعار المحلية. هذه التغيرات أدت إلى ارتفاع تكلفة الديون السيادية بمقدار 1.2 مليار دولار سنويا.

انهيار الشركات والمشاريع
وتضررت الشركات الإسرائيلية بشكل كبير من الحرب حسب ما ذكرت الدراسة، حيث أغلقت العديد من الشركات أبوابها، وسجلت التجارة والاستثمار تباطؤًا حادا. وأظهرت بيانات شبه رسمية أن 726 ألف شركة إسرائيلية أغلقت منذ بدء الحرب، مع توقعات بارتفاع العدد إلى 800 ألف بحلول نهاية العام.
وهذا الرقم يعادل نحو 10% من إجمالي الشركات المسجلة في إسرائيل، كما أن العديد من الشركات العالمية مثل “نستله” و”زارا” انسحبت جزئيا أو كليا من السوق الإسرائيلية، لتتأثر بدورها التجارة الداخلية والخارجية.

وتراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 40%، من 25 مليار دولار في عام 2023 إلى 15 مليار دولار في النصف الأول من عام 2024، وذلك يعكس تراجع ثقة المستثمرين الأجانب في السوق الإسرائيلية.

كما انخفض حجم الصادرات بنسبة 15% في الربع الأول من عام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، فأثر ذلك سلبًا على العائدات.
تدهور الظروف المعيشية
وذكرت الدراسة أن الظروف المعيشية للإسرائيليين تأثرت كثيرا، حيث ارتفعت معدلات البطالة والفقر، وانخفض إنفاق المستهلك بنسبة 0.7%، وارتفع مؤشر الأسعار للمستهلك بنحو 12%، وأدى ذلك إلى تدهور الوضع الاقتصادي للأسر الإسرائيلية.
وذكر تقرير “لاتيت” أن 85.1% من الأسر الإسرائيلية تعاني من نقص في الطاقة، بينما يعاني 81.8% من ديون متراكمة. وبلغ معدل الفقر في إسرائيل 22.7% في عام 2023، ثم ارتفع إلى 25.3% في منتصف عام 2024. هذه الأرقام تشير إلى أن أكثر من ربع السكان يعيشون تحت خط الفقر، وذلك يزيد من الأعباء على الخدمات الاجتماعية والدعم الحكومي، كما ارتفعت معدلات الجريمة بنسبة 7% نتيجة للضغوط الاقتصادية المتزايدة.

انكماش سوق العمل
تسببت الحرب في انكماش سوق العمل، وفقا للدراسة التي أظهرت ارتفاع معدلات البطالة إلى أعلى مستوياتها منذ أبريل/نيسان 2021. وتضررت قطاعات الصناعة والتكنولوجيا والطاقة والبنوك والسياحة بشكل كبير، فارتفع معدل البطالة من 4.5% في يناير/كانون الثاني 2024 إلى 6.2% في يوليو/تموز 2024، وهذا يعني فقدان مئات الآلاف من الوظائف.

وتحديدًا، فقدت صناعة التكنولوجيا الفائقة نحو 30 ألف وظيفة، بينما تراجع عدد العاملين في قطاع السياحة بنسبة 25%. كما أن سحب القوى العاملة في هذا القطاع لفترة طويلة سيؤثر على جاذبية المستثمرين الأجانب، حيث انخفضت الاستثمارات الجديدة بنسبة 20% مقارنة بالعام السابق.

وأظهر تقرير حديث أن معدل البطالة بين الشباب (18-25 عامًا) ارتفع إلى 15.8%، مما يعكس التحديات الكبيرة التي تواجهها هذه الفئة العمرية في العثور على وظائف.

قطاع البناء يترنح
ويعاني قطاع البناء من شلل شبه تام، فقد توقفت ورش البناء وتدهورت مبيعات العقارات. وأدى استدعاء أكثر من 300 ألف جندي احتياط إلى زيادة التحديات التي تواجه هذا القطاع، حيث توقفت 14 ألف ورشة بناء عن العمل بالكامل.

وانخفضت مبيعات العقارات بنسبة 35% مقارنة بالعام السابق، وتراجعت قيمة العقارات بنسبة 10%. وبلغت قيمة الاستثمارات في قطاع البناء 15 مليار دولار في عام 2023، لكنها انخفضت إلى 9 مليارات دولار في النصف الأول من عام 2024، مما يعكس حجم الأزمة التي يواجهها هذا القطاع.
قطاع الزراعة ينزف بشدة
وتشير الدراسة إلى أن قطاع الزراعة تضرر بشكل كبير، فقد بلغت خسائره نحو ملياري شيكل شهريا (520 مليون دولار). وأدى إخلاء المزارع إلى تقليص إنتاج الحليب والبيض بنسبة 80%.
وأدى منع دخول العمال الفلسطينيين إلى نقص كبير في القوى العاملة الزراعية، فقد انخفض إنتاج الحبوب بنسبة 25%، ومن ثم تأثرت الأسعار المحلية وارتفعت تكاليف الإنتاج الزراعي. وخسرت الزراعة الإسرائيلية ما قيمته 10 مليارات شيكل (2.6 مليار دولار) منذ بدء الحرب، مع توقعات بزيادة الخسائر إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه. وبلغت خسائر قطاع الفواكه والخضراوات نحو 1.5 مليار شيكل (400 مليون دولار)، لترتفع الأسعار بنسبة 15% في الأسواق المحلية.

تراجع إنتاج الغاز
وتسبب العدوان -وفقا للدراسة- في تراجع إنتاج الغاز، فقد علقت شركة “شيفرون” صادراتها من الغاز عبر خط أنابيب غاز شرق المتوسط إلى مصر. وتكبدت إسرائيل خسائر بمئات ملايين الدولارات أسبوعيا، إذ انخفض إنتاج الغاز بنسبة 30%.

وأثر هذا التراجع في إمدادات الطاقة المحلية وزاد من تكلفة الإنتاج الصناعي. وبلغت خسائر قطاع الغاز 2.5 مليار دولار منذ بدء الحرب، مما يعكس التحديات الكبيرة التي يواجهها هذا القطاع الحيوي. كما أن انخفاض إنتاج الغاز أدى إلى زيادة تكلفة الكهرباء بنسبة 10%، وأثر ذلك سلبًا على الصناعات المعتمدة اعتمادا كبيرا على الطاقة.

أزمة قطاع التكنولوجيا
ولطالما كانت التكنولوجيا الفائقة قاطرة الاقتصاد الإسرائيلي، ولكن الحرب أثرت تأثيرا كبيرا على هذا القطاع حيث توقفت العديد من الشركات عن العمل وسرحت آلاف الموظفين، وتراجع حجم الاستثمارات بنسبة 50%، في خطوة تعكس حجم الأزمة التي يواجهها هذا القطاع.

وانخفضت صادرات التكنولوجيا بنسبة 20% في النصف الأول من عام 2024 مقارنة بالعام السابق، مما أثر على العائدات الوطنية وزاد من التحديات الاقتصادية.