بينما كان نتنياهو يحزم أمتعته للتوجه لواشنطن مع ميل لدعم الجمهوريين في ظل توتر علاقته مع الديمقراطيين من عهد أوباما إلى وقتنا هذا كان هناك تطور في واشنطن وهو تنحي بايدن عن السباق الرئاسي وترشيحه لكمالا هاريس التي استطاعت في وقت قصير أن تحظى بدعم كاف من المعسكر الديمقراطي.
كما أنه بمجرد انتشار أخبار ترشح هاريس تقلصت الفجوة في استطلاعات الرأي والتي كانت تميل لصالح ترامب على بايدن وبالتالي ازدادت المنافسة وأصبحت حظوظ الطرفين بالفوز متقاربة بعدما كانت الكفة تميل لترامب مما خلق واقعا سياسيا جديدا.
ولهذا رأينا أن نتنياهو قال وهو يتجه للطائرة قال أغادر إلى واشنطن في ظل انعدام يقين سياسي كبير في واشنطن وهذا بالتأكيد عقد مهمة نتنياهو الذي كان يتمنى أن تتجه الأمور لصالح ترامب. وهو نفسه الذي كان قبل شهر تقريبا قد بث مقطع فيديو ينتقد بايدن على تعليق إرسال شحنات أسلحة له.
قاوم نتنياهو ضغوط إدارة بايدن لتحقيق وقف إطلاق النار خلال الأشهر الماضية سواء المباشرة منها أو تلك التي حاول معارضوه في الداخل من غانتس إلى غالانت الاستقواء بها أمامه. وكان ملحوظا أن نتنياهو لا يريد التوصل لاتفاق مع إدارة بايدن في ظل تزايد احتمالات فوز ترامب عليه، وبدا أن موقف نتنياهو يتعزز بقوة بعد الفشل الذريع لبايدن في المناظرة الشهيرة بين بايدن وترامب، ومن ثم محاولة اغتيال ترامب الفاشلة التي رفعت أسهمه، وإصرار بايدن على الترشح برغم الانقسام حوله في الحزب الديمقراطي. ولكن تنحي بايدن وترشيحه لكمالا هاريس عقد المشهد أمام نتنياهو كما ذكرنا.
خلال الفترة الحالية ووصولا إلى مطلع نوفمبر 2024 ومع أن بايدن سيبقى في المشهد إلا أن الديمقراطيين سيسعون لتقديم ذلك كإنجاز لهاريس التي ستسعى لتحقيق انجاز يخدم فرص فوزها عبر تحقيق صفقة وقف إطلاق النار وستعمل على البناء على ما سمي خطة بايدن لوقف الحرب وستضغط بشكل أكبر على نتنياهو للقبول بهذه الخطة لكي تصل إلى نتيجة تنفيذ وقف إطلاق النار.
ويعزز موقف هاريس في هذه النقطة عدة أمور منها أولا، نضوج بنود الصفقة وقبول المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية لها واستعدادهم المتزايد للضغط على نتنياهو، وثانيا، تقلص هوامش المناورة والمماطلة لدى نتنياهو، وثالثا إعلان ترامب دعم مسار إنهاء الحرب حتى قبل مجيئه.
إن هناك ما يفرق هاريس عن بايدن، فهاريس أكثر ميلا للجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، وهاريس لا تتبنى نفس الروح الصهيونية التي كانت لدى بايدن والتي حرص نتنياهو على الإشادة بها في أكثر من مناسبة كان آخرها خطابه في الكونجرس. كما أن هاريس أثناء عملها في إدارة بايدن لم تظهر تبنيا أو تشددا للمواقف الداعمة للاحتلال الإسرائيلي.
مع ذلك هناك احتمال أن تبقى هاريس على نفس خط بايدن ويمكن أن تكون لهجتها العلنية ومضمون خطابها ليس إلا للاستهلاك الإعلامي لزوم الحملة ولكسب التقدميين والجاليات المسلمة في الولايات المتحدة. ولذلك لابد من اختبار مواقفها العملية.
حتى اللحظة يبدو أن غيابها عن خطاب نتنياهو في الكونجرس ومضمون اجتماعها معه والذي انتقده ترامب يشير لموقف أكثر ضغطا من بايدن في الالتزام بوقف الحرب ولكن لا نعلم كم سترتفع درجات هذا الضغط إلا بعد الاختبار العملي.
سواء فاز الديمقراطيون أو الجمهوريون في الانتخابات فإنه من المتوقع أن يكون الضغط على حكومة الاحتلال أكبر لأن الطرفين سيكونان أكثر تحررا من ضغوط الانتخابات المؤقتة، قد يكون التوقع بمسار هاريس أكثر دقة من التوقع بمسار ترامب الذي يوجد إجماع أنه شخص غير قابل للتوقع بسبب سرعته وقدرته في إجراء الصفقات والمقايضات وكذلك انتقاله من النقيض إلى النقيض وتفكيره المختلف عن التفكير السائد منذ عقود في الولايات المتحدة بشأن كثير من القضايا.