الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة والوضع الدولي

شكل قرار الرئيس الامريكي جو بايدن بالانسحاب من المنافسة على الرئاسة الامريكية أمرا منطقيا مع تزايد الشكوك داخل حزبه وداخل البيت الابيض تحديدا حول قدراته العقلية والجسدية ، ويبدو ان نائبته كامالا هاريس تحظى بتأييد من رموز الحزب الديمقراطي بدءا من الرئيسين السابقين اوباما وبيل كلينتون وزوجته هيلاري، الى جانب الاعلان الواضح من احد اهم المنافسين المحتملين لها وهو حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم عن تأييده لترشيحها . ومن المفترض ان يعقد الحزب الديمقراطي اجتماعه لتحديد مرشحه للرئاسة في اواسط الشهر القادم، ويبدو ان هاريس هي الاقوى في هذا الجانب.

ما هي حظوظ هاريس بالفوز؟

لنتوقف بداية عند ملاحظة تاريخية ، فهاريس هي التجربة الثانية في التاريخ الامريكي لترشح امرأة للرئاسة في مراحلها الاخيرة ، فقبل 8 سنوات تنافس ترامب مع هيلاري كلينتون، وهنا لا بد من التوقف عند نتيجة تلك الانتخابات (2016)، فطبقا للانتخاب الشعبي تفوقت هيلاري كلينتون على ترامب بأكثر من 2.8 مليون صوت ، لكن التصويت في الكلية الانتخابية خذلها بواقع 304 اصوات لصالح ترامب مقابل 227 لهيلاري ( وهي المرة الرابعة في التاريخ الامريكي التي تحدث بهذا الشكل)، ذلك يعني أن القياس على تلك الحالة يشي باحتمال تفوق هاريس على ترامب، بخاصة ان :
أ‌- اغلب اصوات النساء ستذهب لها ، فمع هيلاري كان تصويت النساء لصالحها بمعدل 54% بينما لترامب 39%( الصورة العامة لترامب في الذهن الامريكي انه ذكوري النزعة)
ب‌- صوت السود لهيلاري كلينتون بنسبة 91% مقابل 6% لترامب، (السود يرونه عنصريا بدرجة كبيرة)
ت‌- انحياز ذوي المؤهلات العلمية والاكثر تعليما لهيلاري بنسبة 57% مقابل 36% لترامب.(المثقفون اميل لاعتباره غوغائيا)
ث‌- صوت الهاسبانك(ذوي الاصول من امريكا اللاتينية) في غالبيتهم لهيلاري (حوالي 67%) علما ان نسبتهم السكانية تصل الى حوالي 19% من سكان الولايات المتحدة.(فالهاسبانيك يعتبرون ترامب عدو المهاجرين الاول).

من جانب آخر، فان هناك بعض العوائق امام هاريس:
أ‌- رغم أن زوجها يهودي ، فقد أبدت هي وزوجها بعض التعاطف مع الفلسطينيين ، واصدرت بعض التصريحات التي تنطوي على بعض “العتاب للسياسة الاسرائيلية”، وهو امر قد يكون له بعض الاثر على الناخب الامريكي بخاصة من اليهود والذين لهم وزن غير قليل داخل الحزب الديمقراطي، بل اكثر من وزنهم داخل الحزب الجمهوري، وهو ما سيجلب لها نقمة اليهود (بخاصة كبار السن) مقابل تعاطف المسلمين معها..فهي اهون الشرين.
ب‌- ان البيض صوتوا لصالح هيلاري عام 2016 بنسبة 39%، وهو ما يعني ان هذه النسبة قد تميل الى التراجع بخاصة ان هاريس تنتمي للعرق الهجين(اسود آسيوي).
ذلك يعني ان فرص هاريس بالفوز ليست هينة رغم ان ترامب رأى ان هزيمتها ايسر له من هزيمة بايدن لو بقي في السباق الرئاسي( مع فرضية تكرار قلب الكلية الانتخابية للنتائج كما جرى عام 2016 او كما جرى مع بوش عام 2000 ضد آل غور الذي فاز على بوش في الانتخاب الشعبي).

الخلاصة:
1- ان هاريس افضل من ترامب في المنظور الفلسطيني، مع ضرورة التنبه الى ان تعبير “افضل “هنا هو تعبير نسبي، فهي قياسا لترامب افضل في الموقف من فلسطين، لكنها بعيدة جدا عن “عدالة الموقف الاستراتيجي”، كما ان موقفها وهي نائبة وفي ظل رئيس “اعرج جسدا وعقلا” قد يتراجع تحت وطأة المؤسسة الحاكمة والضغوط المجتمعية المختلفة.
2- قد يكون الرئيس الروسي هو الاسعد إذا انتصر ترامب، لكن ذلك ليس هو الحال مع الصين التي لن تكون سعيدة ايا كان الفائز .
3- اعتقد ان دول الخليج تتمنى فوز هاريس لانها ستكون أكثر “احتراما” لخصوصيات الخليج ، بينما ينظر ترامب لزعماء الخليج “كاتباع وعالة ” على الولايات المتحدة.
4- لا شك ان اوروبا تتمنى فوز هاريس، لان فوز ترامب يعني تفجير خلافات داخل التحالف الغربي بخاصة حول موازنات الانفاق الدفاعي للناتو وحدود عمله .
كل ذلك لا ينفي أن البجعة السوداء قد تطل علينا من جديد ..فالايام حبلى…