ما طبيعة العلاقة بين الطائفة الدرزية وإسرائيل بعد حادثة مجدل شمس؟

الصاروخ الذي سقط في مجدل شمس السبت، سينقش في ذاكرة سكان قرى الجولان كأحد الأحداث المأساوية التي شاهدوها في القرن الأخير. الشيوخ في القرى الدرزية لا يذكرون عدداً كبيراً من القتلى في ضربة واحدة، خصوصاً من الفتيان والأطفال، ولا حتى في حرب الأيام الستة.

الحزن والصدمة أصابا الجميع، وكل زاوية في مجدل شمس شعرت بها. صورة التوابيت الـ 11 البيضاء عند إحضارها إلى مركز البلدة، وفيها فتيان وأطفال مع نشيد حداد ورثاء لأبناء العائلات الذين رافقوا التوابيت، فطرت قلوب الحاضرين أو الذين شاهدوا الرحلة المؤلمة. أم تصرخ وتقول: أين ابني، لا تقولوا إنه من بين الضحايا. عدد من الرجال متشابكي الأيدي صرخوا وهم يسيرون في مقدمة الجنازة، الكلمات التي صيغت من المأساة، عندما وصلت الأمهات في حالة صدمة مساء أول أمس إلى ملعب كرة القدم للبحث عن أولادهن، ثم ارتعبن من فظاعة المشهد.

من يعرف هضبة الجولان يدرك أن الصاروخ الذي مزق أجساد الأطفال والفتيان، أصاب أيضاً عصب العلاقات المكشوف مع إسرائيل كدولة وكمؤسسة. الكثير من سكان الجولان، ومن بينهم سكان مجدل شمس، ما زالوا يعتبرون أنفسهم مواطنين سوريين، ويعتبرون هضبة الجولان أرضاً محتلة تسيطر عليها إسرائيل بالقوة. هذا التوجه ساد لأجيال، لكن منذ العام 2011 مع نشوب الحرب الأهلية في سوريا، ازداد النقاش حول شبكة العلاقات مع إسرائيل. ومع الإدراك بابتعاد أي تسوية سياسية مستقبلية في هضبة الجولان، دفع عدداً من السكان إلى تحسين العلاقات مع إسرائيل والسعي إلى الاندماج، بما في ذلك أخذ الجنسية والمشاركة في الانتخابات القطرية والمحلية، كما حدث في الحملتين الأخيرتين.

هذا التقسيم كان واضحاً أمس في مجدل شمس. فالأمر لم يكن بحاجة إلى نظر ثاقب لملاحظة أن معظم سكان القرية وسكان القرى القريبة تجمعوا في بيت العزاء وفي الميدان الرئيسي تحت النصب التذكاري للسلطان باشا الأطرش، زعيم التمرد على الحكم الفرنسي، وهي أماكن أصبحت رمزاً للنضال الوطني لسكان مجدل شمس. في المقابل، توجه عدد قليل إلى ملعب كرة القدم الذي حدثت فيه الكارثة. الوزراء الذين جاءوا إلى القرية توجهوا إلى الملعب والتقوا رئيس المجلس دولان أبو صالح، لكنهم لم يقتربوا من مكان الميدان والجنازة داخل القرية.

عدد من الوزراء اصطدموا بمعاملة عدائية ودعوات شجب، خصوصاً وزير المالية سموتريتش، حتى إن من يؤيدون الارتباط مع إسرائيل لم يستوعبوا وجوده في المكان. في حين سمح لرئيس المعارضة يئير لبيد، وغالنت وغانتس أيضاً بالزيارة، وكذلك لرئيس الأركان والمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي. هذا تقسيم لم يأت بصدفة، بل يضع موضوع الهوية الوطنية في الامتحان. في ميدان السلطان باشا أوضحوا بأنهم أغلبية ساحقة، ووجهة مجدل شمس بقيت نحو سوريا، وأنه لن يسمح بإسرائيل ركوب موجة الحدود. في المقابل، كان في الملعب من طلبوا من الدولة القيام بواجبها تجاه مواطنيها وتوفير الحماية والأمن لهم.

إلى جانب الخلافات الداخلية، تضع كارثة في مجدل شمس كل الأطراف في وضع غريب يطرح عدة أسئلة، مثل: هل دولة إسرائيل، بصفتها صاحبة السيادة أو قوة محتلة، ستشن حرباً ذات تأثيرات إقليمية رداً على قتل 12 طفلاً درزياً من مجدل شمس، التي معظم سكانها يعتبرون أنفسهم سوريين؟ وبأي درجة ستنجح في احتضان السكان واستغلال الحدث من أجل تقريبهم؟ في المقابل، إلى أي درجة سيسقط الدروز في هضبة الجولان بين أذرع إسرائيل عقب هذه المأساة ويقفون ضد حزب الله، حليف سوريا؟ هل سيعمل حزب الله على تهدئة النفوس بسبب التداعيات الطائفية للحدث، في لبنان وسوريا؟ هذه الأسئلة لا إجابات واضحة لها، وستصب في التطورات على الأرض وفي قرارات إسرائيل وحزب الله، التي ستدل على مستوى اهتمام الطرفين بتحطيم الأدوات والسعي إلى صراع شامل، الذي ربما سنعرف كيفية بدايته، ولكن لا أحد سيعرف كيفية إنهائه. ربما تضع دماء الفتيان الأبرياء التي سفكت السبت في مجدل شمس إشارة تحذير أخرى أمام الجميع، تشير إلى أن الوقت حان لإنهاء الحرب في الجنوب والشمال، وأن عدداً كبيراً جداً من الأطفال والفتيان قتلوا في الجبهتين.

جاكي خوري/ هآرتس 29/7/202
القدس العربي