الميتافيرس..أي مستقبل تحمله التكنولوجيا؟

يدرك الكثير من الناس أن العلماء لازالوا يبحثون عن كوكب بديل صالح للعيش، ولكن القليل فقط من يدرك أن فئة أخرى من العلماء يحاولون صنع عالم جديد بأيديهم بدلا من البحث في الفضاء الواسع، فقد شكل إعلان مارك زوكربيرغ عن مشروع الميتافيرس، حدثا تكنولوجيا بالغ الأهمية، وهو الذي سيحدث تحولا جذريا في حياة الكثير من الناس وخصوصا بالنسبة للأجيال القادمة، ذلك لأن أغلب النشاطات البشرية كالعمل والتسوق والإجتماعات وإقامة الحفلات والسفر والترفيه وبناء العلاقات وغيرها، ستتحول بشكل كامل إلى الميتافيرس، لكن كيف سيتم ذلك ؟ وما هي المزايا والمخاطر التي يحملها هذا العالم الجديد؟
تقوم الفكرة الأساسية للميتافيرس على دمج عقل الإنسان عبر نظارات الواقع الإفتراضي بالعالم الرقمي ثلاثي الأبعاد، تكون لك فيه شخصية إلكترونية (أفاتار)، وعبر هذا الأفاتار يمكنك التسوق من المتاجر ثلاثية الأبعاد، بالإضافة إلى حضور حفلات الأصدقاء، كما يمكنك الحضور لإجتماعات العمل بنفس الشخصية الإلكترونية، فيما يجب على المستخدم أن يكون رصيد محفظته من النقود الإلكترونية في الميتافيرس يكفيه لمختلف هذه النشاطات، باعتبار أنه حتى ذلك الأفاتار الذي يمثل صاحبه سيحتاج للمال من أجل شراء ملابس افتراضية ومختلف الأشياء الأخرى التي ننفق من أجلها المال في حياتنا الحقيقية.
بصفة عامة، سيعيش المستخدم حياة جديدة لكن في عالم افتراضي يشمل جميع النشاطات التي يقوم بها في حياته اليومية، إذ أنها ليست كما يعتقد البعض، صنعت خصيصا لهواة الألعاب الإلكترونية والترفيه. بل ستشمل جميع القطاعات، وحتى الحكومات بدأت تتحول تتدريجيا إلى هذا العالم، ففي خطوة تاريخية أعلنت دولة جزر بربادوس في سنة 2021 عن إنشاء سفارة لها في عالم الميتافيرس، حيث عقدت اتفاقا مع أحد أكبر منصات الميتافيرس وهي منصة ديسنترالاند Decentraland، من أجل افتتاح سفارة رقمية لتصبح أول دولة تفتتح سفارة رقمية في العالم، فيما أعلنت وزارة الاقتصاد الإماراتية عن افتتاح مقر لها في الميتافيرس سنة 2022، أما بالنسبة لكوريا الجنوبية فقد بدأت العاصمة سيول في تطوير منظومة حكومية على الميتافيرس حتى تساهم في تقديم العديد من الخدمات والرفع من كفاءتها وتسهيل طلبات المواطنين، من جهة أخرى تتهافت الشركات الكبرى على الإستثمار في هذا المجال، ومن بين أهم تلك الشركات نجد، شركة ميتا (فيسبوك سابقا) التي أنفقت حوالي 10 مليار دولار من أجل تطوير تقنيات الواقع الإفتراضي والواقع المعزز، بالإضافة إلى العديد من الشركات العملاقة مثل ميكروسوفت وقوقل وNVidia وQualcomm وغيرها، وهذا إن دل فإنما يدل على أن عالم الميتافيرس سيشهد نجاحا باهرا في المستقبل القريب.
لكن رغم المزايا الكبيرة في هذا العالم الجديد إلا أنها لا تخلوا من المخاطر، فبما أنها مرتبطة بالإنترنت، فهناك دائما احتمالية حصول الهجمات السيبرانية التي تؤثر بطريقة أو بأخرى في الأشخاص والمؤسسات، هذا من جهة، من جهة أخرى إن الفضاء السيبراني خاضع للتطورات التكنولوجية التي تتسارع بشكل رهيب، بالتالي فإن معالمه متغيرة بشكل متواصل، فنجد أن المهاجم دائما مايسعى لبرمجة وأسلحة وفيروسات جديدة، ويقضي المدافع وقته في محاولة إيجاد حل لتلك البرمجيات الخبيثة، وفي نفس الوقت، لا يستطيع المدافع إيجاد برامج لحمايته من فيروسات أو برمجيات لم تصنع أو هجمات لم تنفذ بعد، وبالتالي إن أي تكنولوجيا جديدة يجب أن تكون لها ثغرات يتم اكتشافها من قبل أشخاص أخرين ثم يستغلونها وفق ما تمليه عليهم إرادتهم، فيما تحاول الجهة المعنية إغلاق أي ثغرات مكتشفة من أجل التقليل من المخاطر المحتملة.
في الأخير، إن هذه الأسباب لا يمكنها وقف انتشار الميتافيرس مستقبلا، لأنها تعتبر بمثابة ثورة تكنولوجية ستساهم في تغيير العديد من المفاهيم والأنشطة حول العالم، وأصبح لزاما على الدول وضع استراتيجيات من أجل التكيف مع الأوضاع الجديدة التي تخلقها التكنولوجيا، وعلى الأفراد في الجانب الآخر السعي للتعلم حول التقنيات الحديثة ومحاولة فهمها، هذا من أجل تفادي التخلف عن ركب الحضارة، لأن عدم مواكبة التكنولوجيا التي تتطور بشكل رهيب، ستخلق فجوة بينها وبين المتخلفين عنها وستزداد تلك الفجوة مع كل حدث تكنولوجي جديد.