في الوقت الذي يعيش الكيان الصهيوني واحدة من أسوأ مراحله مع تدهور صورته السياسية والأمنية والعسكرية والأخلاقية في ظل استهدافه لعشرات آلاف المدنيين الفلسطينيين في غزة فإن الكيان الاحتلالي يعيش حالة لم يكن يتمناها مؤسسو الصهيونية الأوائل مثل ثيودر هرتزل أو مؤسسو الكيان في عام 1948.
ارتكزت أفكار هرتزل إلى عدة مرتكزات أولها أن اليهود بحاجة لوطن قومي خاص بهم، يمكنهم العيش فيه بحرية وأمان، وهذا أمر غير متحقق اليوم، حيث إن كامل الكيان منذ أكثر من 70 يوما يقع تحت مرمى الصواريخ والمسيرات، كما أن أكثر من 300 ألف من سكان كيبوتسات الجنوب قد رحلوا من أماكنهم وكذلك أكثر من 200 ألف من سكان كيبوتسات الشمال.
ارتكزت أفكار هرتزل أيضا على استقلالية الدولة اليهودية ولكن ما نراه اليوم أن الإدارة الأمريكية باتت هي من تقرر وتضيف أعضاء لمجلس الحرب وتحدد مدى الحرب البرية ويحتاج الاحتلال إليها كوجود عسكري في البحر لردع الخصوم وكوجود سياسي للحفاظ على صورتها وتخفيف ارتباكها.
على تقديم الدعم المالي والتعويضات المالية للدول المعارضة للكيان أو الدول التي يتوجب الحصول على موافقتها لتمرير المشاريع الصهيونية وفي هذه النقطة يوجد امتداد للفشل حيث فشلت حتى الآن عروض الاحتلال على الدول الإقليمية للقبول بمشاريع التهجير للشعب الفلسطيني بل الذي يحدث هو العكس أن أجيالا عدة من الشعب الفلسطيني بما فيها الجيل الجديد باتت أكثر تجذرا بحق العودة بعد 7 أكتوبر.
كان هرتزل مقتنعا بضرورة تأمين دعم الدول الأوروبية لليهود في إقامة وطنهم وأنهم لا يمكن أن يقوموا بذلك بدون دعم الدول الأوروبية وقد نجحوا في ذلك بالفعل لكن اليوم بدأ هذا الجدار يتصدع حيث لا نكاد نجد موقفا داعما بشكل غير مشروط سوى الموقف التشيكي وبعده الألماني لكن في عموم القارة وبين عموم الأوروبيين هناك تراجع كبير في الدعم المفتوح للاحتلال الإسرائيلي وهناك انهيار لصورة الاحتلال التي حاول رسمها عن نفسه خلال 70 عاما.
كان هرتزل مؤمنا بأهمية العمل الدبلوماسي واليوم نجد دولة الاحتلال تتصارع مع المؤسسات الدبلوماسية الدولية مثل الأمم المتحدة وكذلك تعيش حالة من قطع وتعليق العلاقات الدبلوماسية مع عدد كبير من الدول.
كان هرتزل يعمل على توحيد الحركة الصهيونية لكن الحركة الصهيونية باتت اليوم منقسمة من أعلى الهرم حتى أخفض طبقة ويكفي اليوم مشهد الخلاف بين الوزراء غالانت وغانتس من جهة وبن غفير وسموتريتش من جهة أخرى لعرض حالة الموقف الصهيوني المتشرذم.
توفي هرتزل عام 1904 وقبل أن يرى تحقق إقامة الكيان لكن أفكاره كانت مصدر إلهام للحركة الصهيونية وقد دعم هرتزل فكرة هجرة اليهود لفلسطين وبحلول عام 1948 كان 750 ألفا من اليهود قد رحلوا إلى فلسطين ولكن اليوم هناك 500 ألف يهودي قد فروا من فلسطين بعد 7 أكتوبر 2023، وهناك مثلهم من نزح من الشمال والجنوب.
ختاما نجد اليوم أن أفكار هرتزل الملهمة للصهيونية كلها في حالة تصدع بعد 7 أكتوبر سواء الأمن والحرية والاستقلالية للدولة اليهودية أو من حيث كون الكيان مركز جذب لهجرة اليهود حول العالم أو من حيث وحدة الحركة الصهيونية وكذلك الحال دعم القوى الغربية الكبرى لها الذي يعيش الآن حالة من التراجع والتناقض والتي سنجدها واضحة جدا إذا ما نظرنا فقط إلى تصريحات بايدن الأخيرة.