التغير المناخي: تهديد لأمن النساء في المنطقة العربية

تأسّست الأمَم المتحدة عام 1945، في أعقاب الدّمار الذي خلّفته الحَرب العَالمية الثانية، وكانت لها مُهمّة مَركزية: صَون السّلام والأمن الدوليين. وفي ذلك الوقت، كان يُنظَر إلى النّزاعات المُسلّحة على أنّها التّهديد الرئيسي وشِبه الوحيد للسّلام. فتمّ تفسير مَفهوم الأمن بشكلٍ ضيقٍ، مع التّركيز في المَقام الأول على غياب النزاعات والصّراعات. وأهملَ هذا المَنظور الجَوانب الأوسَع للأمن، الذي لا يَتحقّق فقط بِغياب العُنف، بل أيضًا بتوافُر الظُّروف المَعيشية الأسَاسية التي تضمَن حُقوق الإنسان وحُرياته، وتَحمي الأفراد من أي خطر. ولكن مع تطوُّر المُجتمَع الدُّولي، أصبَح مِن الواضح أن النّزاعات المُسلّحة لم تعُد التهديد الوحيد للأمن العالمي، فقد ظهَر خَطر جديد ومُلِحّ ألا وهو “التغيُّر المُناخي”. إذ أدّى هذا التغيُّر إلى زيادة الكوارث مثل الأعاصير والجَفاف والفيضانات على نطاقٍ غير مسبوقٍ. وباتَ مِن الواضح أنّ هذا التدهوُر البيئي يُعرّض سَلامة جميع البشر على وَجه الأرض للخطر، مِمّا يُشكل تهديدًا كبيرًا لأمن الإنسانية. ونتيجة لكل ذلك، وللعديد من التطوُّرات وإدراكًا لهذه الفجوة التي اعترَت المَفهوم التقليدي للأمن الدولي، بدأ الحَديث عن مفهومٍ جديدٍ للأمن، ألا وهُو “الأمن البشري أو الانساني”. وهَكذا، في حِين يُركّز الأمن القَومي التقليدي على الدّفاع عَن الدّولة من التّهديدات الخارجية، فإنّ الأمن البشري أو الإنساني يُعطي الأولوية لِحماية الأفراد، وبات تمتُّع الإنسان بالأمن الاقتصادي والغذائي والصحي والبيئي والشخصي والمجتمعي والسياسي شرطًا أساسيا لتحقٌّق الأمن. وبما أنّ أزمة المُناخ تَحرم الأفراد من حقوقهم وهويّتهم، من منازلهم وبلدانهم وحتى من حياتهم في بعض الحالات، اعتبرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)،عام 2018، أنّ هذا التغيُّر يشكل أكبر تهديد لأمن البشرية، ممّا يُثير تَساؤلات عَديدة حَول مَدى تأثيره على العَالم العَربي.
في الواقع، باتَ تغيُّر المُناخ ظاهرة مَلمُوسة في كلّ بِقاع العالم، ولكنّ تأثيراته واضِحة، بشكلٍ خاصٍ، في المنطقة العربية. إلّا أنه اذا كان التغيُّر المُناخي يُؤثر على الجَميع في هَذه المِنطقة، إلّا أنّه لا يُؤثر على الجميع بالتساوِي. في الحقيقة، ورغم صُعوبة تَصديق الأمر، إنّ تغيّر المناخ ليسَ مُحايدًا جندريًا على المُستوى العالمي عُمومًا والمُستوى العربي خصوصًا. إذ تُواجه النساء والفتيات العَربيات تَحدّيات غير مسبُوقة، ممّا يُؤدّي إلى تَعزيزعَدم المُساواة بَين الجنسين وزيادة التفاوُت الإجتماعي والإقتصادي، ويُشكّل تهديدًا لسُبل عَيشهنَ وصِحتهن وسَلامتهن. كما تُؤثر هذه التّحديات على قُدرتهنّ على مُواجهة الكوارث والتغيُّرات البيئية.
ولكن لِماذا تُلاحق لَعنة عدم المُساواة المَرأة العربية حتى فِيما خصّ التغيُّر المناخي؟
تُظهر الدراسات أنّ النّساء والفتيات في المِنطقة العربية هُنَّ الأكثر تَعرُّضًا لمَخاطر تَغيُّر المُناخ نتيجةً لوُجود تحديات غير متناسبة، وذلك بسبب عَوامل اجتماعية واقتصادية وسِياسية وثقافية ودينية مُختلفة. اذ تُقيّد التشريعات التّمييزية قُدرة المَرأة على الوُصول إلى المَوارد وامتلاكها؛ بِحيث يَتمتّع الرَّجل بالأفضلية في امتلاك الأصُول. عَلى سبيل المثال، ورُغم أنّ النساء يُشكّلن 85% من القُوة العَاملة في دارفور-السودان، لا تُوجد أي قَوانين تَضمن حَق المَرأة في امتلاك الأراضي. وحتّى في حَالة وجودها، فإنّ الأعراف والمَعايير الإجتماعية والثقافية والدّينية غالباً ما تَحول دُون تنفيذها. ويَحُد هذا النقص في ملكية الأراضي والأصول مِن قُدرة المرأة على مُكافحة آثار تغيُّر المُناخ وتأمين الدّعم المَالي اللّازم. كما تلعب التقاليد والعَادات المُتوارَثة دورًا أساسيًا في تَعزيز الأدوار التقليدية للجِنسين. إذ غالبًا ما يَتمّ وَضع النّساء في مَرتبةٍ أدنى في التسلسُل الهَرمي الإجتماعي، ممّا يُؤدّي إلى تفاقُم الفُروقات خِلال الأحداث المُناخية القاسِية. فالقُيود المَفروضة على المَرأة تَمنعُها من اكتسَاب أبسَط المَهارات التي تَسمح لَها بالهُروب من الكَوارث النَّاجمة عن تغيُّر المُناخ أو تَجنُّب مَخاطِرها، مثل السِّباحة أو التسلُّق أثناء الفَيضانات. كمَا أنّ عَمل نِسبة كبيرة مِن النساء العربيات في المَشاريع التّجارية الصّغيرة وفي الزراعَة أو اعتمادهنّ بصورةٍ كاملةٍ على أفراد الأسرة الذُكور يَجعلُهن أكثر عُرضةً لتغيُّر المُناخ وأقل قُدرةً على التّعافي مِن آثاره، مِمّا يُؤثر حُكمًا على قُدرتهنّ على كَسب لُقمة العيش. وتُشكّل النّساء غالبية الفُقراء في المَناطق الرّيفية في الأردن والسُّودان والعراق وغيرها من الدول العربية، ويَعتمِدن على المَوارد المُهدَّدة بتغيُّر المُناخ. باستثناء مِنطقة الخَليج العربي وبعض البُلدان الأخرى مثل لبنان، تتمتّع النّساء بِفرَص تَعليمية ومِهنيّة أقل. إذ تتحمّل النّساء مَسؤولية غير مُتكافئة عَن تَأمين الغذاء والمياه والوُقود، وهي مَهام تُصبح أكثر صُعوبة واستهلاكًا للوقت مع تغيُّر المُناخ. كما أنّه، وفي العديد من المَناطق في جنوبِ السُّودان، يحصُل الرجال إجمالًا على وظائف ذات دخل أعلى مِن تلك التي تحصُل عليها النساء. ونتيجةً لذلك، تُساهم أمية النّساء وافتقارهن إلى المَهارات والى الفرص في العمل في انخفاض دَخلهن ومُشاركتهن المَحدودة في الإقتصاد الرَّسمي. ويُضاف إلى ذلك، النزاعات المُسلّحة والاضطرابات التي تُعاني منها بعض الدُّول العربية. إذ تُسبّب النزاعات، إلى جانب تغيُّر المُناخ، أزمة مُزدوِجة في دولٍ مثل اليمن والعراق وسوريا والسودان والصومال وليبيا. وتُواجه النساء في هذه المَناطق النُّزوح والفقر والإصَابات وفُقدان المُعيل، ويَزيد تغيُّر المُناخ من تَعقيد التّحديات التي يُواجهنها في حَياتهن اليَومية. كما تُعيق الصِّراعات الجُهود المَبذولة لمُكافحة تغيُّر المُناخ، وخاصةً بالنسبة للفئات الضّعيفة مثل النساء. كما لا يُمكن أن ننسى أنّ مشاركة المرأة في عَملية صُنع السّياسات والقرارات، على المُستويين الوطني والدولي، مَحدودة، ممّا يُقلل من تأثيرها على سِياسات وبرامِج تغيُّر المناخ. وعلى الرغم من الارتفاع المَلحوظ في مُعدّلات التخرُّج من الجامعات في بعض الدول العربية كلبنان ودول الخليج العربي، إلّا أنّ النساء العربيات لا يَشغلن سوى حوالي 17% من المَقاعد البرلمانية في جَميع أنحاء المنطقة. وقد أدّى هذا الافتقار إلى المُساواة بين الجنسين في صُنع القرار إلى عَدم كفاية الجُهود المَبذولة من أجل التكيُّف مع تغيُّر المُناخ والتخفيف من آثاره.
في النهاية، إن مُواجَهة آثار التغيُّر المُناخي واتّخاذ التدابير الطّارئة للحَد من هذه الظَاهرة لم يَعُد خيارًا لكل دولة، بل بَات واجبًا مُلزمًا. فالدُّول التي لا تُساهم في جُهود مُكافَحة التغيُّر المُناخي وتغُضّ النّظر عن المَخاطر اليومية التي يتعرّض لها سُكانها، ولا سيما النساء، تخرق القانون الدولي من خلال انتهاكها لحقوق الإنسان عمومًا وحقوق المرأة خصوصًا. إذ لا يُمكن تحقيق الأمن الدولي في ظل غِياب الأمن البَشري أو الإنساني، ولا يُمكن تَحقيق الأمن البشري من دُون تحقيق أمن المَرأة.