يتصدر العرب قائمة الجنسيات النازحة أو المهاجرة مع الإيرانيين، والأوكرانيين الذين أجبرتهم الحرب مع روسيا على النزوح.
ما يهمنا في هذا المقال أن نتحدث عن جالية عربية كبيرة طرقت أبواب العالم بحثاً عن كم “سنة” من الاستقرار بعد أن طحنتهم المعارك والصراعات في بلدانهم، قد يسأل أحدهم ” لماذا كل هذه التداعيات بل أحياناً لدرجة هجرة نصف الشعب او أكثره! مثلما حصل مع سوريا، حيث تشير الأعداد الى نزوح ١٠ مليون حول العالم!
عموماً، الموضوع أعقد مما يبدو، حيث تتفرد المنطقة العربية بهذا النموذج من الهرب الجماعي من جلد السلاطين وأجنحتهم العسكرية الرسمية أو غير الرسمية ماعدا كم بلد آخر يشارك العرب في سمتهم هذه مثل افغانستان، سمة الهرب إلى أي دولة تفتح أبوابها، ولكن في ذات الوقت يبقى السؤال لماذا تصل الصراعات والنزاعات الى نقطة اللاتفاوض او اللاتفاهم، ذلك لأن الأنظمة الهشة عرضة للإصابة بالفيروسات الخارجية، بمعنى تستطيع الدول أن تدخل وتضغط على الأنظمة الضعيفة التي تحتاج أما الى مساندة الخارج لتستمر بالنتيجة تقدم تنازلات، او تصبح مخنوقة بالعقوبات فتحاول الخلاص من هذا الضغط
وهذا يعني المزيد من بطاقات التدخل الخارجي، مع تقادم السنين يصبح رصيد هذه الدول المتدخلة في الشأن الداخلي والخارجي أعلى من رصيد النظام الذي يدير الدولة المتدخل بها.
هذه سقطة بعض البلدان العربية التي لا تتعض من التأريخ وتتجاهل الحكم السياسية مقابل بضع مغريات مؤقتة، طبعا الحال لا ينطبق على كل البلدان العربية التي تمتاز بتدافع مواطنيها على النزوح ولكن أتحدث عن بعض البلدان حيث ينسى النظام القائم تماماً مهامه الأساسية وينصرف الى حروب الشوارع أو كيفية البقاء على رأس السلطة ولو بالإطاحة برؤوس كل المواطنين وما قيمة أي دولة بنزوح مواطنيها؟ فيما تسعى دول اخرى الى زيادة الإنجاب لتستمر مثل اليابان أو أمة الصين العظيمة التي اكتشفتْ لاحقاً أضرار سياسة ” إنجاب طفل واحد”.
في الطوابير الطويلة على دوائر الإقامة سواء في اسطنبول أو برلين او ستوكهولم أو لندن أو اوسلوا أو بروكسل وغيرهم؛ في أي بلد يتقاسم العرب ذات الخفة، بلا أي أحمال من مقتنيات بيت العائلة، بل أي هدايا تتعلق بماضي جميل، بلا أي حمل يعيق السفر أو عبور البحر أو الركض في الغابات، كأنهم ينزلون الى قبر الحياة ليحيوا من جديد، ألم يقلها محمود درويش ” نريد أن نحيا قليلاً، لا لشيء.. لنحترم القيامة بعد هذا الموت”.. مشهد سوريالي، تتناقص فيه الكلمات وتتضخم المشاعر، كعربي يراد منه أن يبقى بلا تأريخ، مقصوص الجذور، إذا بقى عليه أن يقسم للنظام ١٠٠ مرة بأنه يحبه بلده ويريده أفضل وإذا نزح عليه أن يقسم ١٠٠٠ مرة للأنظمة المستضيفة بأنه لا يريد شيئاً سوى أن يعيش لعلهم يصدقونك.
ثم ينظر إلى خارطة الصراعات في بلده، حيث سمحت الأنظمة للأجندة الخارجية أن تتغلغل بالنتيجة اقصاء حقه الطبيعي في المشاركة في صناعة مستقبل بلده لُيصنع في مطابخ المخابرات الدولية والأحزاب الأجنبية الحاكمة! شيءٌ مثير للسخرية خصوصاً عندما تشارك هذه المخابرات او الأحزاب اليمينية او اليسارية ذات السياسة ليس في المشاركة في أجبار العربي على النزوح من بلده فحسب، بل برفض طلبه للجوء بحجة عدم الاقتناع بالقصة..
ويبقى السؤال، خفيفون من كل ما يثبت أقدامنا على أي أرض، عذراً اقصد أي دولة لأن البشر تقاسم الأراضي ووضعوا القوانين وصاروا يطردون الآخرين، المهم، خفيفون من كل ذلك؟ أين يمكن للعربي أن يعيش مقبولاً بعيداً عن الصراعات والحروب؟ القمر مثلاً؟