لا شك، أن سلسلة العقوبات التي أعلنها وزير مالية الاحتلال الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، ليل الخميس 27 حزيران، ضد السلطة الفلسطينية، والتي تشمل إلغاء تصاريح كبار المسؤولين، وإبعاد بعضهم، وتقييد حركتهم وسحب امتيازاتهم، بالإضافة إلى هدم بعض المنازل في المناطق المصنفة (ب)، ليست مستغربة، وإنما جاءت لخلق حالة من الردع لدى الفلسطينيين، فضلًا عن محاولة استعادة صورة الردع التي تهشمت بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023.
أما فيما يتعلق بشرعنة البؤر الاستيطانية الخمس، واعتماد خطط لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية، فهي كذلك ليست جديدة، فالشق الأول جاء ردًا على اعتراف الدول الخمس بدولة فلسطين بعد 7 أكتوبر، أما الثاني فلم تتوقف دولة الاحتلال يومًا عن رصد الميزانيات لتكثيف الاستيطان. في الواقع، لم تكن هذه الخطوات إلّا تجسيدًا لجوهر الحركة الصهيونية التي ترى أن فلسطين هي الوطن القومي لليهود، وأن لا مكان للفلسطينيين على هذه الأرض، وحتى أنها لا تؤمن بحل الدولتين الذي وافقت عليه القيادة الفلسطينية، وما زالت متمسكة به، كما أن هذه الخطوات جزء من خطة الحسم التي تبناها سموتريتش.
الوزيران المتطرفان، سموتريتش وبن غفير، أعلنا صراحةً عن موقفهما من السلطة، ومن الضفة، فهما يعتبران أن السيطرة على الضفة مقدمة لنزول “المخلص”، ومتفقان أيضًا على قتل أي طموح أو حتى أمل للفلسطينيين بإقامة دولة، لذلك يسعيان إلى إغراق الضفة بالاستيطان وتفكيك السلطة الفلسطينية من خلال الضغط عليها.
وبالتالي، فإن الخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين بالنسبة لهما، تتمثل بالقتل أو القمع إذا فكر الفلسطينيون بالمقاومة، أو أن يقبلوا بوضعهم كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة (حقوق أقل) في دولة الاحتلال، والثالث متعلق بالتهجير وهذا في الحقيقة ما يأملونه.
على المقلب الآخر، كان هناك مناقشات لتحويل الضرائب المحجوزة للسلطة الفلسطينية (أموال المقاصة)، باستثناء الأموال المخصصة لقطاع غزة – كانت سابقًا قد اتخذت اسرائيل قرارًا باقتطاع حصة الشهداء والأسرى- منعًا لانهيارها.
إذن، تلعب إسرائيل على جانبين في آن، تعمل على خنق السلطة وإضعافها وتفريغها من مضمونها وحصرها في دور خدماتي فقط من جهة، ومن جهة أخرى تحافظ على مستوى ضئيل من الدعم المادي لمنع انهيارها، وهذا ليس حبًا فيها، بل لأنها شريك أمني صادق هذا ما قاله رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي عند حديثه عن السلطة وحركة فتح.
فعليًا، تمنيت أن أجد ردًا فلسطينيًا على هذه القرارات، أو أن يكون هناك صحوة للقيادة الفلسطينية، لذلك، انتظرت أيامًا قليلة قبل أن أكتب، وللأسف كما توقعت، لم يكن هناك إلّا إدانات ورفض وتحميل مسؤولية للإدارة الأمريكية ومطالبات لمجلس الأمن!
اللافت أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير اجتمعت، نعم اجتمعت لمناقشة هذه القرارات، حان الوقت هكذا قلت، لا بد بأن تخرج بآليات لمواجهة اسرائيل، ولا بد بأن يكون هناك خطوات جريئة، لأن الوضع فعليًا لا يحتمل أي خيار آخر. في الحقيقة هكذا فعلت، طالبت الشعب أن يقف معها وبكل الوسائل الشعبية والسياسية الشاملة في مواجهة السياسات والإجراءات الإسرائيلية! ولم تقل لهم كيف! كيف نواجه المحتل؟ أو ماهية الإجراءات التي ستقوم بها؟
واقعيًا، وعلى أهمية الحراك الدبلوماسي على الساحة الدولية الذي تقوم به القيادة الفلسطينية، كان من المفترض أن توقف التنسيق الأمني الذي دائمًا ما تلوّح وتهدّد به، فهي تعلم أن إسرائيل متنصلة منه تمامًا، وتستبيح القرى والبلدات والمدن الخاضعة لسيطرتها أمام أعينها، تغلق الحواجز متى أرادات وكيفما شاءت، وتتحكم بكافة مناحي الحياة، وهذا أقل القليل.
كنا نأمل أن تصدر قراراتها للأجهزة الأمنية الفلسطينية بالانتشار في القرى والبلدات والمدن التي يعربد بها المستوطنون ويحرقون وينتهكون حرمات البيوت ويَقتلون السكان الآمنين، وتأمرهم بحماية المواطنين، وهذا ليس منةً منها بل وظيفتها. كان عليها أن تعود إلى رشدها وتدوس على الكفاح السلمي وتعلن الكفاح المسلح، لأن الدول المحتلة من حقها وفقًا للقوانين الدولية مقاومة المحتل. كان الأصل أن تطوي صفحة الانقسام وتُعلن استعادة الوحدة الوطنية والتوافق على المشروع الوطني، هذه الأولويات والتفاصيل تأتي تباعًا، لأن إسرائيل لم تبقِ للسلطة أي دور حقيقي وفعلي، فكان لزامًا عليها أن تحفظ ماء وجهها وتتنصل من كافة التزاماتها عن طريق إلغاء اتفاق أوسلو من طرفها- هذا الاتفاق الذي تعلم تمامًا بأنه كان فخًا- كون إسرائيل لم تلتزم به يومًا. هذه ليست قرارات صعبة أو مستحيلة، لا سيما وأن المؤشرات تدل على انفجار قريب للضفة الغربية أيضًا.
ثمة قرارات وإجراءات يجب أن تؤخذ الآن، لأن الوقت من دم، فالأرض الفلسطينية لن تعود بالمفاوضات ولا بالقرارات الأممية، وإنما فقط بالمقاومة، وبالمناسبة الأرض التي نقصدها هي فلسطين، كل فلسطين من النهر إلى البحر، فما تنازلتم عنه سيعيده أبناء الأرض، فالشعب لم ولن يؤمن يومًا بحل الدولتين، وليس لديه ما يخسره. والأهم أن عدالة قضيتنا بالتأكيد لن تشفع لنا، لأن عدالة القضية تتطلب فعل ومقاومة، وهم يعلمون ذلك.