منذ انتشار الإنترنت واكتمال مفهوم الفضاء السيبراني، بدا وكأن البشرية قد خلقت عالما جديدا نقلت إليه كل نشاطاتها السياسية والإجتماعية والإقتصادية والعسكرية، وكان الغرض من كل ذلك جعل الأمور تسير بشكل أكثر سلاسة، لكن لم يكن يدرك أحد في ذلك الوقت أن اندماج الإنسان والفضاء السيبراني سيكون شبه كلي، هذا الأمر خلق لنا مفارقة يمكن أن نطلق عليها مفارقة الأمن في الفضاء السيبراني.
في الحالة الطبيعية قد يعتقد البعض أن التطور مرادف للأمن، أي أنه كلما كانت الدولة أكثر تطورا كلما ازدادت أمنا، لكن يحدث العكس في الفضاء السيبراني فكلما ارتبطت البنية التحتية للدولة بالفضاء السيبراني، كلما خلق ذلك ثغرات أمنية أكثر، لتوضيح الأمر; مثلا تضم الولايات المتحدة 16 قطاعا يشكلون البنية التحتية لها، ترتبط هذه القطاعات جميعها بالفضاء السيبراني، ويمكن لأي مجموعة سيبرانية مختصة أن تسبب أضرارا كبيرة لأي قطاع من تلك القطاعات حتى الثانوية منها عن طريق أجهزة الكمبيوتر فقط، لكنها لن تستطيع قطعا مهاجمة قطاع معين لدولة أخرى لا زالت تسير تقليديا وتعتمد على استخدام الحد الأدنى من الأنظمة السيبرانية في قطاعاتها، وكمثال آخر، استطاعت روسيا في سنة 2007 شل النشاطات المالية والإتصالاتية والإعلامية وغيرها عندما قامت بمهاجمة استونيا التي كانت تفتخر بأنها أول حكومة في العالم بدون أوراق، في حين كان تأثير الهجمات السيبرانية على جورجيا في سنة 2008 أقل تأثيرا بشكل واضح باعتبار أن جورجيا لم تصل للحد الذي وصلت إليه إستونيا من التطور الرقمي.
يلخص المدير السابق للمخابرات المركزية الأمريكية جورج تينيت George Tenet مشكلة الأمن في الفضاء السيبراني بقوله: لقد بنينا مستقبلنا على قدرة لم نتعلم كيفية حمايتها، وهو ماجعل الدول في مأزق أمني سيخلق مشاكل إضافية للأمن القومي، فتصميم الإنترنت بني على سهولة الإستخدام ولم يبنى على أسس أمنية، وتزداد الثغرات الأمنية مع كل جهاز جديد خاصة مع ظهور انترنت الأشياء والتي حولت كل آلة نستخدمها إلى جهاز مرتبط بالفضاء السيبراني بما فيها السيارات والأجهزة المنزلية والألعاب وحتى البشر أنفسهم مع إعلان شركة نيورالينك التابعة لرجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك عن نجاح عملية تركيب شريحة إلكترونية داخل أدمغة البشر، والتي تجعل صاحبها يتحكم في الأجهزة عن بعد.
مع كل هذا يمكن القول أنها فقط البداية لعصر جديد سيكون سريعا بشكل رهيب، لدرجة أننا لن نستطيع تخيل ماسيحدث في ال10 سنوات القادمة فقط، ولا يمكن لأي أحد في الوقت الحالي الجزم بمستقبل الأمن القومي أو الأمن الإنساني في ظل كل هذه التطورات المستمرة.